كان بسببه حيث سلطه الله عليه بقوله سلطني عليه لحسده كمال عبادته مع كثرة أمواله وأولاده كما ذكر قصته في سورة الأنبياء.
(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢))
قوله (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) جواب لدعاء أيوب في كشف البلاء عنه ، أي قال له جبرائيل اضرب برجلك الأرض وهي أرض الجابية بلد في الشام من إقطاع أبي تمام فركض فنبعت عين ماء ، فقيل (هذا مُغْتَسَلٌ) أي ما يغتسل به وكان ماء حارا فاغتسل به وهو الذي ضربه برجله اليمنى ، ثم خرج من المغتسل صحيحا وركض برجله اليسرى فخرجت عين ماء (١) بارد فشرب منها ماء عذبا باردا ، فزال عنه كل ألم بظاهره وباطنه ، قوله (بارِدٌ وَشَرابٌ) [٤٢] خبر مبتدأ محذوف ، أي ماء بارد يشرب منه ، والواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف.
(وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣))
(وَوَهَبْنا لَهُ) أي لأيوب (أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) وقد مر تفسيره (٢) ، قوله (رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) [٤٣] مفعول لهما لقوله (وَوَهَبْنا لَهُ) ، أي وهبنا له أهله وماله لرحمة من لدنا ولتذكير أولي العقل ، لأنهم إذا سمعوا إنعامنا له لصبره على البلاء رغبهم في الصبر على الشدائد وعاقبة الصابرين من الرحمة لهم.
(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤))
(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) وهو الحزمة من الكلأ أو العيدان (فَاضْرِبْ بِهِ) زوجتك لتبر عن يمينك (وَلا تَحْنَثْ) فيها أي لا تدع الضرب فتحنث فأخذ مائة عود من الإذخر فضربها بها ضربة واحدة ، وكان السبب في يمينه أنها سألته أن يقرب للشيطان بعناق ليبرئ من مرضه وهو الأنثى من أولاد المعز فحلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إذا برئ ، فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) أي علمناه صابرا على البلاء وشكايته إلى الله لا يمنع وصفه بالصبر (٣) لأنه تمنى العافية من الله ودعاه بكشف (٤) ما به من الضر فلا يسمى (٥) ذلك جزعا ، ثم أكد ذلك بقوله (نِعْمَ الْعَبْدُ) أيوب (إِنَّهُ أَوَّابٌ) [٤٤] أي رجاع إلى الله بالتوبة والاستغفار.
(وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥))
(وَاذْكُرْ عِبادَنا) أي صبرهم (إِبْراهِيمَ) عطف بيان (وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) عطفان عليه ، قرئ «عبدنا» (٦) وهو إبراهيم ، ثم أضمر واذكر في قوله (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ولم يذكر إسمعيل معهم لأنه لم يبتل كابتلائهم (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) [٤٥] أي أولي القوة في العبادة وأولي البصائر في دين الله ، قيل : أكثر الأعمال تباشر بالأيدي فلذلك غلبت في كل عمل ويقال هذا مما عملت أيدينا (٧).
(إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦))
(إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ) أي اخترناهم (بِخالِصَةٍ) أي بخصلة خالصة لا شوب فيها ، ثم فسرها بقوله (ذِكْرَى الدَّارِ) [٤٦] فهو عطف بيان لها أو بدل منها ، أي بأن يذكروا الدار الآخرة بالخلوص في العمل لها وانتفاء الكدورة عنها ، وقرئ ل «خالصة ذكرى الدار» بالإضافة (٨) من إضافة الشيء إلى ما يبينه ، لأن الخالصة تكون (٩) ذكرى وغير ذكرى فالإضافة بمعنى «من» ، أي بما خلص من ذكرى الدار لا يشوبون ذكرها بهم آخر وهو ذكر
__________________
(١) ماء ، ح ي : ـ و.
(٢) انظر سورة الأنبياء (٢١) ، ٨٤.
(٣) بالصبر ، ح ي : بالصابر ، و.
(٤) بكشف ، وي : لكشف ، ح.
(٥) يسمى ، ح ي : تسمى ، و.
(٦) «عبادنا» : قرأ ابن كثير بفتح العين وإسكان الباء على الإفراد ، وغيره بكسر العين وفتح الباء وألف بعدها على الجمع. البدور الزاهرة ، ٢٧٣.
(٧) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ١٤٦.
(٨) «بخالصة» : قرأ المدنيان وهشام بحذف التنوين ، والباقون باثباته. البدور الزاهرة ، ٢٧٣.
(٩) تكون ، ي : يكون ، ح و.