الدنيا أو اصطفيناهم بسبب تذكرهم الآخرة والاعتداد لها وترغيب الناس فيها وتزهيدهم في الدنيا كما هو شأن الأنبياء.
(وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧))
(وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) [٤٧] أي المختارين للرسالة ، جمع مصطفى و (الْأَخْيارِ) جمع خير وهم رؤساء أهل الجنة.
(وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩))
(وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ) ابن إبراهيم لقومك وصدق وعده (وَالْيَسَعَ) وهو خليفة إلياس (وَذَا الْكِفْلِ) وهو الذي كفل مائة نبي أطعمهم وكساهم وكتمهم من الأعداء (وَكُلٌّ) أي كل واحد منهم كان (مِنَ الْأَخْيارِ [٤٨] هذا ذِكْرٌ) أي ذكر الأنبياء ذكر جميل يذكرون به في الدنيا (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) [٤٩] أي مرجع.
(جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١))
قيل : لما أتم ذكر الأنبياء أراد أن يذكر على عقبه بابا آخر مناسبا لذكرهم (١) وهو ذكر الجنة وأهلها بقوله (جَنَّاتِ عَدْنٍ) وهو عطف بيان ل (حُسْنَ مَآبٍ) ، وال (عَدْنٍ) الخلد والإقامة ، قوله (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) [٥٠] حال من (جَنَّاتِ عَدْنٍ) و (لَهُمُ) صلة الحال و (الْأَبْوابُ) فاعلها والرابط محذوف ، أي مفتحة الأبواب منها لهم ، يعني يفتح لهم الأبواب من جنات عدن ليدخلوها ، وإذا دخلوها جلسوا على الأرائك بالاتكاء فلذا قال (مُتَّكِئِينَ فِيها) أي في الجنات وهو حال من المجرور في «لَهُمُ» (يَدْعُونَ فِيها) أي يبطلون في الجنة (بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) أي متنوعة (وَشَرابٍ) [٥١] متنوع.
(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢))
(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي غاضات الأعين عن غير أزواجهن (أَتْرابٌ) [٥٢] جمع ترب ، أي وهم وهن على سن واحد فكأن التراب قد مسهم عند الولادة في وقت واحد ليكون المودة بينهما أثبت والمعاشرة أطيب.
(هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤) هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥))
(هذا ما تُوعَدُونَ) بالتاء للخطاب (٢) ، أي يقال لهم هذا ما توعدون في الدنيا (لِيَوْمِ الْحِسابِ) [٥٣] أي لأجله.
(إِنَّ هذا) أي ما ذكرنا من الثواب (لَرِزْقُنا) أي لعطاؤنا للمتقين (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) [٥٤] الجملة حال من الرزق ، أي لا يكون له انقطاع وفناء.
(هذا) أي هذا المذكور وهو المعد للمتقين ، ثم ذكر ما هو المعد للطاغين فقال (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) أي للضالين بالكفر (لَشَرَّ مَآبٍ) [٥٥] أي مرجع في الآخرة.
(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧))
قوله (جَهَنَّمَ) بدل من «شر مآب» وبيان لمرجعهم (يَصْلَوْنَها) أي يدخلونها (فَبِئْسَ الْمِهادُ) [٥٦] أي موضع القرار.
قوله (هذا) مبتدأ ، خبره محذوف ، أي هذا العذاب لهم ، وقيل : خبره (٣)(فَلْيَذُوقُوهُ) والفاء زائدة ، وقيل : خبره (٤)(حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) [٥٧] و (فَلْيَذُوقُوهُ) اعتراض لاهتمام التهديد ، وال (حَمِيمٌ) الماء الحار الذي انتهى حره ،
__________________
(١) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٥ / ١٤٦.
(٢) «توعدون» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة ، وغيرهما بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٢٧٣.
(٣) أخذ المفسر هذا القول عن القرطبي ، ١٥ / ٢٢١.
(٤) هذا الرأي مأخوذ عن القرطبي ، ١٥ / ٢٢١ ؛ وانظر أيضا البيضاوي ، ٢ / ٣١٥.