وال (غَسَّاقٌ) الماء البارد الذي انتهى برده ، وقيل : ما يسيل من جلود أهل النار (١) ، من غسق إذا سال.
(وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨))
(وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) بالإفراد ، أي ولهم عذاب آخر مثل العذاب الأول ، وبالجمع (٢) ، أي مذوقات اخر من مثل الشراب المذكور في الشدة والفظاعة ، قوله (أَزْواجٌ) [٥٨] صفة (آخَرُ) جمعا ومفردا ، والمراد الضروب أو يكون صفة للثلاثة وهي «حميم وغساق وأخر من شكله» ، أي هم يعذبون بأنواع مختلفة من العذاب الأليم.
(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩))
(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ) أي يقول الخزنة للقادة إذا دخلوا النار مشيرين إلى الاتباع هذا جمع داخل (مَعَكُمْ) النار بالشدة مقترنين بكم في النار كما كانوا مقترنين بكم في الضلالة ، والاقتحام الدخول بالشدة ، قيل : «يضرب الزبانية المتبوعين والأتباع معا بالمقامع فيسقطون في النار» (٣) ، فثم دعا المتبوعون على أتباعهم قالوا (لا مَرْحَباً بِهِمْ) أي لا سعة عليهم في عيشهم (إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) [٥٩] أي داخلوها معكم (٤) بالاستحقاق وهو تعليل كلام الرؤساء فردت الأتباع للمتبوعين.
(قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١))
(قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) يريدون أنتم أحق بهذا الدعاء لا نحن ، وعللوا ذلك بقولهم (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ) أي دين الكفر ، أي سبقتموه (لَنا) يعني بدأتم بالكفر قبلنا أو زينتموه وشرعتموه لنا أو الضمير للعذاب ، أي قدمتم العذاب لنا بعمل السوء فاتبعناكم أرادوا أنهم كانوا السبب في إغوائهم (فَبِئْسَ الْقَرارُ) [٦٠] أي بئس موضع القرار النار فثم (قالُوا) أي قال (٥) الأتباع (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) أي دين الكفر أو العذاب (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً) أي مضاعفا (فِي النَّارِ) [٦١] ولما دخل الكفار النار وقعوا في التحير.
(وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣))
(وَقالُوا ما لَنا لا نَرى) في النار (رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ) في الدنيا (مِنَ الْأَشْرارِ) [٦٢] وعنوا بهم فقراء المسلمين كعمار وبلال وصهيب ، وقالوا (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) بقطع الهمزة (٦) للاستفهام بدلالة (أَمْ) بعده موبخين أنفسهم على استهزائهم المؤمنين في الدنيا مع إنكارهم الاستسخار بالفقراء على أنفسهم ، فلما لم يروهم في النار قالوا نحن لم نرهم لعدم دخولهم فيها (أَمْ زاغَتْ) أي مالت (عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) [٦٣] أي أبصارنا ، يعني حارت عنهم ولم نرهم وبهمزة الوصل صفة (رِجالاً) ، أي رجالا أخذناهم سخريا بالضم وهو الاستحقار ، وبالكسر (٧) هو التسخر ، يعني كنا نسخر منه ، و (أَمْ) في (أَمْ زاغَتْ) بمعنى بل ويتصل بقوله (ما لَنا لا نَرى) ، أي لا نراهم في النار كأنهم ليسوا فيها بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها فقسموا أمرهم بين كونهم من أهل الجنة وبين كونهم من أهل النار إلا أنه خفي عليهم مكانهم ، وقيل : جاز أن يتصل ب «اتخذنا» سواء كانت متصلة أو منقطعة بعد مضى (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) على الخبر أو الاستفهام وتقدر همزة الاستفهام محذوفة فيمن قرأ بغير همزة (٨) ، لأن «أم» يدل عليها فلا فرق بين القراءتين في معنى (أَمْ).
__________________
(١) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٣ / ١٣٩.
(٢) «وآخر» : قرأ البصريان بضم الهمزة ، والباقون بفتحها وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ٢٧٣.
(٣) ذكر الكلبي نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٦١٢.
(٤) معكم ، ح : ـ وي.
(٥) قال ، و : ـ ح ي.
(٦) «اتخذناهم» : قرأ البصريان وخلف والأخوان بوصل الهمزة فيسقطونها في الدرج ويبتدئون بها مكسورة ، والباقون بهمزة قطع مفتوحة وصلا وابتداء. البدور الزاهرة ، ٢٧٣ ـ ٢٧٤.
(٧) «سخريا» : ضم السين المدنيان والأخوان وخلف وكسرها سواهم. البدور الزاهرة ، ٢٧٤.
(٨) أخذه عن الكشاف مختصرا ، ٥ / ١٤٨.