(إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤))
(إِنَّ ذلِكَ) أي الذي حكينا عنهم من التكالم (لَحَقٌّ) أي لواجب وقوعه يوم القيامة ، ثم بين ما هو فقال (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [٦٤] وهو بدل من ال «حق» أو من (ذلِكَ) شبه تقاولهم وما يجري بينهم من السؤال والجواب بما يجري بين الخصمين من مثله.
(قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧))
ثم أمر الرسول عليهالسلام أن يقول لمشركي مكة تخويفا من عقابه بترك التوحيد بقوله (قُلْ) يا محمد (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) أي رسول أنذركم بعذاب الله تعالى فوحدوه لتأمنوا منه (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [٦٥] أي أنه قاهر لخلقه هو (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ) بالنقمة (الْغَفَّارُ) [٦٦] لمن تاب وآمن به (قُلْ هُوَ نَبَأٌ) أي القرآن خبر (١)(عَظِيمٌ) [٦٧] لأنه نازل من رب العالمين أنذركم به.
(أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨))
(أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) [٦٨] أي تاركون الاستدلال به على صدقي فتؤمنون ولو مما لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة.
(ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠))
قوله (ما كانَ لِي) بفتح الياء وسكونها (٢)(مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) احتجاج من النبي عليهالسلام لصحة نبوته بأن ما ينبئ عن الملأ الأعلى الذين هم أصحاب القصة من الملائكة وآدم وإبليس وعن تقاولهم في السماء واختصاصهم بالوحي من الله تعالى لا عن علم يؤخذ من أهل العلم أو من قراءة الكتب ، أي لم يكن لي علم بالملائكة (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [٦٩] في شأن آدم ويتكلمون حين قال الله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ مَنْ يُفْسِدُ فِيها)(٣) ، وإنما علمت ذلك بالوحي من الله تعالى لا يقال يلزم من هذا أن يكون الله من الملائكة الأعلى ، لأن التقاول كان بين الله وبينهم لأنا نقول إن مقاولة الله كانت بواسطة ملك فلا يلزم ذلك (إِنْ يُوحى) «إِنْ» نافية ، أي ما يوحى (إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [٧٠] يعني لم يوح إلي إلا أنما أنا نذير ، أي للإنذار فحذف اللام واتصل به الفعل ، فمحله نصب ، ويجوز أن يكون رفعا ، أي ما يوحى إلي إلا هذا وهو أن أنذر وأبلغ فحسب ولم أومر بغيره وأبدل من (إِذْ يَخْتَصِمُونَ).
(إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١))
قوله (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) [٧١] وهو آدم ، وفيه إشارة إلى أنهم كانوا يعلمون البشر قبل خلق آدم لوصفه تعالى إياه لهم بقوله إنه خلق من نعته كذا وكذا فاختصر على الاسم حين حكاه.
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤))
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أي أتممت خلقه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) فأحييته (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) [٧٢] أمرهم بالوقوع للسجدة لآدم (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ) للإحاطة (أَجْمَعُونَ) [٧٣] للاجتماع ، أي سجدوا جميعا في وقت واحد وهو سجود التبجيل لا سجود العبادة (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ) أي أبى عن السجود (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [٧٤] أي صار منهم ولم يكن كافرا قبل ذلك أو كان كافرا في علمه تعالى ، والاستثناء متصل نظرا إلى التغليب عليه فاستثنى كواحد منهم لطول الصحبة معهم.
__________________
(١) خبر ، وي : ـ ح.
(٢) «لي» : فتح الياء حفص وأسكنها غيره. البدور الزاهرة ، ٢٧٤.
(٣) البقرة (٢) ، ٣٠.