بل هو ابتداء كلام آخر ، عطف على ما قبله من النداء ، أي قال لهم حزبيل يا قوم (ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) من النار بالتوحيد (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) [٤١] أي إلى عمل أهل النار.
(تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢))
ثم بين ذلك فقال (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أي حجة بأن له شريكا ، يعني ما ليس باله ولا يصح أن يكون إلها (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ) أي المنتقم من المشرك (الْغَفَّارِ) [٤٢] لمن تاب من الشرك وآمن.
(لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣))
قوله (لا جَرَمَ) اسم مبني على الفتح نحو لا بد لفظا ومعنى ، أي لا بدّ ولا انقطاع فيفيد معنى الوجوب ، يعني وجب وحق (أَنَّما) أي أن الذي (تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) من الأصنام (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) إلى نفسه قط بالعبادة لكونه جمادا ومن حق المعبود بالحق أن يدعو العباد إلى طاعته ، ثم يعبد العباد من دعاهم إظهارا لدعوة ربهم ، أي ليس له دعوة (فِي الدُّنْيا) لعجزه (وَلا فِي الْآخِرَةِ) لأنه إذا أحياه الله تعالى تبرأ من عبدته (وَأَنَّ مَرَدَّنا) أي لا جرم أن مرجعنا (إِلَى اللهِ) لا إلى غيره في الآخرة (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) أي المشركين (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) [٤٣] أبدا.
(فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤))
(فَسَتَذْكُرُونَ) أي فستعرفون (ما أَقُولُ لَكُمْ) من أن نصيحتي لكم حق فتندمون (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي) أي أرد أمر نفسي (إِلَى اللهِ) معتمدا عليه قاله حين أراد وأقتله لأجل دعوته إياهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأصنام فهرب فبعث فرعون في طلبه فلم يقدروا عليه (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) [٤٤] أي عالم بأعمالهم وبجزائهم عليها.
(فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥))
(فَوَقاهُ) أي حفظه (اللهُ) ودفع عنه (سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) أي شر ما أرادوا تدبيره ليقتلوه فنجا مع موسى (وَحاقَ) أي نزل (بِآلِ فِرْعَوْنَ) من مكرهم بالمسلمين (سُوءُ الْعَذابِ) [٤٥] وهو الغرق في الدنيا والنار في الآخرة ويكفي في الحيق ما يقع عليه اسم السوء ولا يشترط أن يكون الحائق ذلك السوء بعينه.
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦))
ثم بين حالهم بعد غرقهم بقوله (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) أي يحرقون بها (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) أي كل يوم مرتين ، قيل : «أرواح الشهداء في جوف طير خضر تأوى إلى قناديل معلقة بالعرش ، وأرواح آل فرعون في جوف طير سود تغدو وتروح على النار ما دامت الدنيا» (١) ، فذلك عرضها ودلت الآية على إثبات عذاب القبر لأن المراد من العرض التعذيب (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا) بفتح الألف (٢) خطاب للخزنة ، أي يقال لهم ادخلوا (آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [٤٦] وهو أسفله في النار فيعاد عليهم الإحراق مرة بعد مرة دائما أو يعذبون ألوان العذاب دائما ، ومن قرأ بوصل الهمزة وضم الخاء جعله أمرا ل (آلَ فِرْعَوْنَ) بالدخول فيكون (آلَ فِرْعَوْنَ) منادى بحرف النداء المحذوف ، أي يا آل فرعون.
(وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧))
(وَإِذْ يَتَحاجُّونَ) أي اذكر يا محمد وقت تخاصم الضعفاء والروساء (فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ
__________________
(١) عن هذيل بن شرحبيل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٦٩.
(٢) «أدخلوا» : قرأ المكي والبصري والشامي وشعبة بوصل همزة «أدخلوا» وضم الخاء ، وإذا ابتدءوا ضموا الهمزة ، وغيرهم بهمزة قطع مفتوحة في الحالين مع كسر الخاء. البدور الزاهرة ، ٢٨٠ ـ ٢٨١.