(الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥))
ثم وصفهم بالغيبة مستأنفا بقوله (١)(الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ) أي بغير برهان (أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً) أي عظم جدالهم بغضا (عِنْدَ اللهِ) أي من عند الله (وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) ف (الَّذِينَ) مبتدأ ، خبره (كَبُرَ) باضمار جدالهم فاعلا له ، وفي (كَبُرَ) ضرب من التعجب والاستعظام ، قيل : يجوز أن يكون (الَّذِينَ يُجادِلُونَ) بدلا من «من هو مسرف» (٢) ، لأنه في معنى الجمع ، والضمير في (كَبُرَ) ضمير «مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ» (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الجدال (يَطْبَعُ) أي (٣) يختم (اللهِ) بالكفر (عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) عن طاعته بالإضافة وتركها (جَبَّارٍ) [٣٥] أي متسلط على الخلق بالحكم عليهم بما يشاء من القتل وغيره من غير خوف من الله ، وإنما أسند التكبر إلى القلب ، لأنه إذا تكبر القلب تكبر صاحبه فهو مركزه.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧))
(وَقالَ فِرْعَوْنُ) لوزيره (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) أي قصرا عاليا (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) [٣٦] أي الأبواب ، ثم أبدل منها (أَسْبابَ السَّماواتِ) تفخيما لشأنها ، لأنه أبهمها ثم أوضحها ليشوق إليه نفس هامان ويتعجب منها (فَأَطَّلِعَ) بالرفع عطف على (أَبْلُغُ) ، وبالنصب جواب «لعل» (٤) ، لأنه هنا بمعنى التمني ، أي لعلي أبلغ ما يوصلني إلى السماء فأطلع (إِلى إِلهِ مُوسى) لأعلم ما هو (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ) أي موسى (كاذِباً) في أن له إلها غيري ، قال له تمويها على قومه لا تحقيقا (وَكَذلِكَ) أي مثل ما زين له سوء قوله (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) أي قبحه (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) مجهولا ومعلوما (٥) ، أي صرف عن سبيل الهدى (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ) أي مكره (إِلَّا فِي تَبابٍ) [٣٧] أي في هلاك وخسار في الآخرة.
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨))
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ) وهو حزبيل (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ) أي أطيعوني (أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) [٣٨] أي أرشدكم دين الصواب.
(يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠))
(يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) أي شيء قليل يتمتع به ويشغل عن الفلاح مع زواله (وَإِنَّ الْآخِرَةَ) أي الجنة (هِيَ دارُ الْقَرارِ) [٣٩] أي الإقامة لا زوال لها فليعتد لها لأنه (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً) أي شركا ومعصية (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) يوم القيامة وهو النار إن لم يتب (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً) أي من تاب وأطاع (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) [٤٠] أي بغير مقدار ، يعني رزقا واسعا بلا تبعة ، لأن الحسنات تتضاعف عند الله.
(وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١))
(وَيا قَوْمِ) كرر النداء لزيادة تنبيه لهم وإيقاظهم عن سنة الغفلة وزيادة الواو في النداء الثالث ، لأن النداء الثاني داخل على كلام هو تفسير للمجمل الذي هو كلام النداء الأول الداخل تحت القول ، والثالث ليس كذلك
__________________
(١) مستأنفا بقوله ، وي : فقال مستأنفا ، ح.
(٢) نقل المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ١٨٢.
(٣) أي ، وي : ـ ح.
(٤) «فأطلع» : قرأ حفص بنصب العين وغيره برفعها.
(٥) «وصد» : ضم الصاد الكوفيون ويعقوب ، وفتحها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٨٠.