إلى الإيمان ، ثم قال (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أي لا يرشد إلى دينه (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) أي متجاوز على الحد في فعله (كَذَّابٌ) [٢٨] في قوله ، أي جاعل الكذب عادة لنفسه.
(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩))
ثم زادهم إنصافا فقال (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) أي ملك مصر (ظاهِرِينَ) أي غالبين (فِي) هذه (الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا) أي من يمنعنا (مِنْ بَأْسِ اللهِ) أي من عذابه (إِنْ جاءَنا) على تقدير قتلكم موسى فلما سمع فرعون قول المؤمن لانت عريكته فثم (قالَ فِرْعَوْنُ) إضرابا عن مجادلة المؤمن (ما أُرِيكُمْ) من الهدى والصواب (إِلَّا ما أَرى) منه لنفسي وهو قتل موسى ، من الرأي يتعدى إلى مفعولين أحدهما «كم» والثاني «ما أَرى» (وَما أَهْدِيكُمْ) أي ما أدعوكم (إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) [٢٩] أي طريق الفلاح.
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١))
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ) لهم (يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) من تكذيبهم موسى (مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) [٣٠] أي مثل أيامهم ، لأنه كان لكل حزب يوم ، وبينه بقوله (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) هو عطف بيان ل «مثل يوم الأحزاب» ، أي مثل عادتهم فيحل بكم من العذاب مثل ما حل بهم بتكذيبهم رسولهم (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) [٣١] أي لا يعذبهم بغير ذنب ، لأنه عادل وهو أنفى للظلم من قوله (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ظاهرا لدلالة التنكير على القلة ، لأنه إذا نفى إرادة ظلم ما فقد نفى الظلم رأسا.
(وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢))
(وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) [٣٢] وهو أن ينادى كل شخص بأعمالهم ، فيقال ألا إن فلان بن فلان سعد سعدة لا يشقي بعدها أبدا وألا إن فلان بن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا أو ينادي أهل الجنة أهل النار (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا)(١) الآية ، و (ينادي أهل النار أهل الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) (٢) الآية.
(يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣))
(يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) أي تصرفون (٣) هاربين من النار إذا لحقكم زفيرها أو ذاهبين عن موقف الحساب إلى النار (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ) أي من عذابه (مِنْ عاصِمٍ) أي مانع يمنعكم (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن الهدى (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [٣٣] أي مرشد يرشده إلى الهدى.
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤))
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ) أي يوسف النبي ابن يعقوب (مِنْ قَبْلُ) أي من (٤) قبل موسى (بِالْبَيِّناتِ) أي بالدلالات الواضحة على صدقه منها تأويل الأحاديث وهو تعبير الرؤيا قاله المؤمن من آل فرعون لهم (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) من البينات (حَتَّى إِذا هَلَكَ) أي مات (قُلْتُمْ) تخرصا من غير حجة (لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) مع تكذيبكم يوسف لئلا تؤمنوا ، المعنى : أنكم لن تزالوا كافرين بيوسف وغيره (كَذلِكَ) أي كهذا الإضلال (يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) في إشراكه (مُرْتابٌ) [٣٤] أي ذو شك في توحيده تعالى.
__________________
(١) الأعراف (٧) ، ٤٤.
(٢) الأعراف (٧) ، ٥٠.
(٣) أي تصرفون ، ح ي : أي يصرفون ، و.
(٤) من ، وي : ـ ح.