مِنْ واقٍ) [٢١] أي مانع يمنعهم من العقاب.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢))
(ذلِكَ) أي العذاب النازل بهم (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كانَتْ) القصة (تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالأوامر والنواهي (فَكَفَرُوا) بهم وببيناتهم (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) تعالى بهلاك الاستئصال (إِنَّهُ) أي إن الله (قَوِيٌّ) أي قادر على أخذهم بالعقوبة (شَدِيدُ الْعِقابِ) [٢٢] لمن عاقبه.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) أي بعلاماتنا التسع (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) [٢٣] أي حجة بينة (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا) هذا (ساحِرٌ كَذَّابٌ) [٢٤] أي لم يصدقوا به.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥))
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ) أي لما جاء موسى فرعون وقومه بالرسالة (مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) أي أعيدوا القتل عليهم (وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) ولا تقتلوهن ، فأعيد القتل عليهم عند بعث موسى كالقتل الذي كان من قبله خيفة أن يولد الصبي الذي قال الكهنة لأجله إنها يهلك فرعون وقومه (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) [٢٥] أي في هلاك وخطأ ، يعني لم يجد عليهم.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧))
(وَقالَ فِرْعَوْنُ) لقومه (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) لأنهم كانوا يمنعونه عن قتله بقولهم (١) إنه ليس الذي تخافه (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) ليمنعه مني (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ) أي يغير (دِينَكُمْ) فتتبعونه (٢)(أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) [٢٦] أي فساد دينكم ودنياكم من أظهر ، ونصب (الْفَسادَ) ومن ظهر ورفعه ، وقرئ بالواو للجمع بين الأمرين (٣) ، و (أَوْ) لشك المتكلم أو لقصده أحدهما ولما سمع موسى تهديد فرعون استعاذ بالله (وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ) أي منكر يتكبر عن الإيمان (لا يُؤْمِنُ) أي لا يصدق (بِيَوْمِ الْحِسابِ) [٢٧] لجهله وتكبره.
(وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨))
(وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ) أي يستر (إِيمانَهُ) بموسى عن فرعون وقومه وقد آمن سرا منهم وهو ابن عم فرعون اسمه حزبيل (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً) ظلما (أَنْ يَقُولَ) أي لأن يقول (رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالبراهين (مِنْ رَبِّكُمْ) وهي العصا واليد وغيرهما ، ثم فصل شأن موسى بقوله (وَإِنْ يَكُ) موسى (كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) أي وباله فلا ينبغي أن تقتلوه بغير حجة (وَإِنْ يَكُ صادِقاً) في قوله (فكذبتموه) (يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) به من العذاب عاجلا وبذلك القدر تهلكون فجاء في المناصحة (٤) بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم وقبولهم وهو البعض ، وقيل : «البعض بمعنى الكل» (٥) ، أي جميع الذي يعدكم ، والأول غاية الإنصاف وأدعى
__________________
(١) بقولهم ، ح و : لقولهم ، ي.
(٢) فتتبعونه ، وي : فتتبعوا له ، ح.
(٣) «أو أن يظهر في الأرض الفساد» : قرأ المدنيان والبصري بالواو المفتوحة بدلا من «أو» و «يظهر» بضم الياء وكسر الهاء و «الفساد» برفع الدال ، وحفص ويعقوب «أو» بزيادة همزة قطع مفتوحة قبل الواو مع سكون الواو و «يظهر» بفتح الياء والهاء و «الفساد» برفع الدال. البدور الزاهرة ، ٢٧٩.
(٤) في المناصحة ، ح و : في المصالحة ، ي.
(٥) عن أبي عبيد ، انظر البغوي ، ٤٠.