في صعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة (١) فضة لم يعص الله فيها قط فأول ما يتكلم به أن ينادي مناد لمن الملك اليوم ، وقيل : إنه تعالى يقول بعد فناء الخلق بين النفختين لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول لنفسه (٢)(لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [١٦] وقيل : ينادي مناد به فيجيبه أهل المحشر (٣).
(الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧))
ثم يقول الله تعالى (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) أي ما (٤) عملت في الدنيا من خير أو شر (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) أي الظلم مأمون فيه ، لأن الله ليس بظلام للعبيد (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [١٧] أي يحاسبهم في وقت واحد ، لأنه لا يشغله حساب عن حساب ، وهذه الآية نتيجة قوله (الملك لله الواحد القهار) لأنه لا حكم لأحد في ذلك اليوم ليحاسبه ويجزي لنفس واحد ، عن ابن عباس رضي الله عنه : «إذا أخذ الله في حسابهم لم يقل أهل الجنة إلا فيها ولا أهل النار إلا فيها» (٥) ، أشار به إلى سرعة الحساب.
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨))
(وَأَنْذِرْهُمْ) أي خوفهم يا محمد (يَوْمَ الْآزِفَةِ) أي بيوم الساعة القريبة ، من أزف الرجل إذا قرب ، وقيل : بوقت مشارفتهم دخول النار (٦) ، قوله (إِذِ الْقُلُوبُ) بدل من (يَوْمَ الْآزِفَةِ) ، أي القلوب في ذلك اليوم (لَدَى الْحَناجِرِ) من الخوف ، أي ترتفع من مكانها إلى الخنجرة ولا يعود إلى مكانها من هول القيامة ، قوله (كاظِمِينَ) حال من أصحاب القلوب ، أي مغمومين جارعين الغيظ لا يظهرونه خوفا يتردد في أجوافهم (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) أي من قريب مشفق ينفعه (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) [١٨] له الشفاعة فيهم ، والمراد نفي الشفاعة والطاعة معا ، لأن الشافعين أولياء الله وهم لا يحبون إلا من أحبه الله فلم يشفعوا لهم.
(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩))
(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) أي الله تعالى خائنة (٧) الأعين بالنظر إلى محرم والغمزة إلى ما لا يحل كفعل أهل الريب وهو خبر من أخبار هو في قوله (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ)(٨)(وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) [١٩] أي ويعلم ما تخفيه القولب.
(وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠))
(وَاللهُ يَقْضِي) أي يحكم (بِالْحَقِّ) أي بالعدل لأنه مستغن عن الظلم فيما يأمر وينهى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) بالياء والتاء (٩) ، أي تعبدونهم من دون الله وهم الأصنام (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) لعجزهم وعدم عقلهم (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ) لمقالتكم (الْبَصِيرُ) [٢٠] بأعمالكم.
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١))
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) أي ألم يعتبروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من تقدمهم من الأمم ، و (هُمْ) فصل في قوله (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) أي بأسا وأجسادا وحقه أن يدخل بين المعرفتين ، لكن (أَشَدَّ مِنْهُمْ) قد شابه المعرفة في أنه لا يدخل الألف واللام فأجري مجراه (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) يعني أكثر أعمالا وأعمارا وأحصن (١٠) قصورا ومنازل ، فكفروا (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) أي عاقبهم (بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ
__________________
(١) سبيكة ، ي : سبكة ، ح ، سبكه ، و؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ١٧٧.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ١٦٣.
(٣) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ١٧٧.
(٤) ما ، ح : ـ وي.
(٥) انظر الكشاف ، ٥ / ١٧٧.
(٦) هذا مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ١٧٨.
(٧) خائنة ، ح ي : خيانة ، و.
(٨) المؤمن (٤٠) ، ١٣.
(٩) «يدعون» : قرأ نافع وهشام بتاء الخطاب ، وغيرهما بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ٢٧٩.
(١٠) وأحصن ، وي : وأحسن ، ح.