فتثبتون على الكفر.
(قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١))
(قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) أي إماتتين (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) أي إحياءتين ، قيل : هذا طلبهم حيلة الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحا (١) ، أي قال الكفار في جهنم كنا أمواتا نطفا في أصلاب آبائنا فأحييتنا قرب الخروج من البطن ، لا يقال كيف يصح أن يسمي خلقهم أمواتا إماتة ، لأن المراد من هذا الخلق الإنشاء على هذا الوصف ثم أمتنا عند انقضاء آجالنا ثم أحيينا اليوم وهو إحياء بالبعث ، وهذا كقوله تعالى (كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)(٢) ، ولما علموا أن الله قادر على الإعادة كقدرته على الإنشاء قالوا أيقنا (٣)(فَاعْتَرَفْنا) أي أقررنا (بِذُنُوبِنا) أي بكفرنا بالرسل والآيات وبالبعث وتبين لنا أن البعث حق (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ) من النار والرجوع إلى الدنيا (مِنْ سَبِيلٍ) [١١] أي طريق لنطيع أمرك.
(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢))
(ذلِكُمْ) أي يقال لهم ذلك العذاب الذي أنتم فيه وخلوده (بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) أي بسبب أنه إذا قيل لكم قولوا لا إله إلا الله (كَفَرْتُمْ) به ، أي بتوحيده (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ) أي بالله معبودكم (تُؤْمِنُوا) بالشرك وتصدقوه (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ) أي القضاء فيكم بهذا (٤) العذاب لله الرفيع الغالب فوق خلقه (الْكَبِيرِ) [١٢] بالقدرة القاهرة لهم بانفاذ حكمه فيهم.
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣))
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) أي دلائله على وحدانيته كالسموات والأرض والشمس والقمر والليل والنهار ، ذكر بعد ما أخبر لهم عما يصيبكم من العذاب يوم القيامة تنبيها لأهل مكة ليستدلوا بتلك الدلائل فيؤمنوا فيفلحوا من ذلك العذاب (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) أي سببه وهو المطر لتتعظوا (وَما يَتَذَكَّرُ) أي ما يتعظ بالقرآن (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) [١٣] أي إلا من يرجع من الشرك ويقبل إلى الله الذي يفعل ذلك بالتوحيد والطاعة.
(فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤))
ثم أمرهم بعابدته بالإخلاص فقال (فَادْعُوا اللهَ) أي اعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي دين الإسلام (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [١٤] أي الجاحدون به.
(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥))
(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) أي هو عظيم الصفات أو خالق طبقات السموات بعضها فوق بعض أو رافع درجات المؤمنين في الجنة ، قوله (ذُو الْعَرْشِ) نعت ل (رَفِيعُ) ، أي رب العرش (يُلْقِي الرُّوحَ) أي ينزل جبرائيل (مِنْ أَمْرِهِ) أي بوحيه (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) من الأنبياء وهو محمد عليهالسلام (لِيُنْذِرَ) أي (٥) الملقى إليه (يَوْمَ التَّلاقِ) [١٥] أي يوم يلتقي الخلائق من أهل السماء والأرض ، يعني الملائكة والإنس والجن والظالم والمظلوم.
(يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦))
ثم أبدل من (يَوْمَ التَّلاقِ) قوله (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) أي ظاهرون وخارجون من قبورهم (لا يَخْفى) أي لا يستر (عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) في الدارين ، لأنه خلقهم وأعمالهم بعلم منه تعالى فكيف يخفى عليه شيء منهم ، قوله (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب ، ومعناه : أن الله يجمع الخلائق يوم القيامة
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٢) البقرة (٢) ، ٢٨.
(٣) أيقنا ، ح ي : أيقننا ، و.
(٤) بهذا ، وي : لهذا ، ح.
(٥) أي ، ح و : ـ ي.