بالتقابل المعنوي ، لأن الحال في معنى لتبصروا فيه (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ) أي فضل (عَلَى النَّاسِ) بتأخير العذاب عنهم أو بخلق الليل والنهار لمصالحهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) [٦١] لربهم في فضله وإنعامه فيوحدونه ويطيعونه ، وفي تكريره (١) زيادة توبيخ لهم على عدم شكرهم.
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢))
(ذلِكُمُ اللهُ) أي الذي خلق هذا من غير شرك هو الله (رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وخالقكم (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي واحد في الخلق لا شريك له (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [٦٢] أي كيف تصرفون عن التوحيد والعبادة مع قيام البرهان عليهما إلى التشريك والاستكبار عن العبادة.
(كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣))
(كَذلِكَ) أي مثل انصرافهم عن الحق وتكذيبهم به (يُؤْفَكُ) أي يصرف (الَّذِينَ كانُوا) قبل كفار مكة من المشركين (بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [٦٣] أي ينكرون بآيات الله التي أتتهم رسلنا بها.
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤))
قوله (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) أي موضع قرار ، فيه زيادة بيان في دعوتهم إلى الإيمان وترك الشرك (وَ) جعل (السَّماءَ بِناءً) أي سقفا مرفوعا فوقكم (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) أي أشكالكم ، يعني خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل ويشرب بيده لا كالبهائم (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي من الحلالات أو المستلذات لا كرزق الدواب (ذلِكُمُ اللهُ) أي هذا الذي خلق هذه الأشياء هو الله (رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ) أي تعاظم عن الشريك والولد أو تزايد خيره وبركته (رَبُّ الْعالَمِينَ) [٦٤] أي خالقهم ورازقهم.
(هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥))
(هُوَ الْحَيُّ) أي هو الحي الذي لا يموت ويميت الخلائق ثم يحييها (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا شريك له في الخلق والعبادة (فَادْعُوهُ) أي اعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي الطاعة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [٦٥] أي من قال لا إله إلا الله فليقل الحمد لله الذي هو مالك العالمين وصانعهم.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦))
قوله (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ) نزل حين طلب الكفار من النبي عليهالسلام عبادة الأوثان (٢) ، فقال الله تعالى قل يا محمد إني نهيت ، أي نهاني ربي (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ) أي تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) وهم الأصنام (لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) أي دلائل التوحيد الواضحات من القرآن والمعجزات سوى الأدلة العقلية التي كانت في تقوية لها وتأكيدا (وَأُمِرْتُ) أي أمرني ربي (أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [٦٦] أي بأن أستقيم على التوحيد أو المراد غيره لأنه كان مسلما له تعالى.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧))
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) أي أطفالا (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) أي يبقيكم لتصلوا كمال قوتكم ، فاللام يتعلق بمحذوف وهو يبقيكم ، وعطف عليه قوله (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) أي
__________________
(١) ويطيعونه وفي تكريره ، وي : ويطيعوا له ففي تكريره ، ح.
(٢) ولم أجد له مرجعا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.