(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧))
(فَاصْبِرْ) يا محمد على أذى الكفار (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) أي كائن لا محالة (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) شرط جوابه محذوف ، أي نرك بعض الموعود لهم من العذاب في حيوتك كما في بدر فذاك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) أي إن نمتك قبل بدر ولم نعذبهم (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) [٧٧] فنعذبهم أشد العذاب في الآخرة.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨))
قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) حث للنبي عليهالسلام على الصبر على أذى قومه كما صبر الرسل على أذى قومهم (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ) أي ذكرنا لك خبرهم وأنت عرفتهم بأسمائهم وأحوالهم (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) أي لم نخبرك بهم ولم نسمهم وكلهم صبروا على أذى قومهم فاصبر أنت على أذى قومك كما صبروا ، روي : «أن الله أرسل نبيا أسود وهو ممن لم يقصصه الله» (١) ، وإنه تعالى (٢) بعث ثمانية آلاف نبي ، أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس ، قوله (وَما كانَ لِرَسُولٍ) نزل حين اقترحوا الآيات على رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنادا (٣) ، أي لم يكن لرسول من القدرة (أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) يقترح عليه (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره لأنهم عبيد مربوبون ، قوله (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) وعيد لهم عقيب الاقتراح بالآيات ، أي إذا جاء عذابه على الكفار بعد قيام المعجز أو يوم القيامة (قُضِيَ) بين الرسول ومكذبيه (بِالْحَقِّ) أي عذبوا بالعدل ولم يظلموا (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ) [٧٨] أي المجادلون بالباطل.
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩))
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ) أي خلق الإبل والبقر والغنم (لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [٧٩] إذا ذبحت باسم الله.
(وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠))
(وَلَكُمْ فِيها) أي في الأنعام (مَنافِعُ) من شعورها وجلودها وألبانها وظهورها (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) أي في قلوبكم من بلد إلى بلد ، وأورد بلام الغرض في الركوب والبلوغ دون غيرهما لتعلق إرادة الحكم بهما من الأغراض الدينية غالبا بخلاف الأكل وإصابة المنافع ، فانه من جنس المباح الذي لا يتعلق به إرادته (وَعَلَيْها) في البر (وَعَلَى الْفُلْكِ) في البحر (تُحْمَلُونَ) [٨٠] في السفر وإنما قال (عَلَى) دون في ليطابق قوله (عَلَيْها) ويزاوجه.
(وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ (٨١) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢))
(وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) أي علاماته العجيبة ودلائله الواضحة أنها من الله (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) [٨١] بأنها ليست منه (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) أي ألم يسافروا (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) بنظر الاعتبار (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ) كانوا (مِنْ قَبْلِهِمْ) بتكذيب رسلهم (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) أي من قومك في العدد (وَأَشَدَّ قُوَّةً) من قومك (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) أي أملاكا وقصورا وأعمارا طويلة (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [٨٢] وهو نتيجة قوله (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) ، ف (ما) الأولى نافية والثانية موصولة ، أي فلم ينفعهم الذي عملوا في الدنيا من الآثار الكثيرة حين نزل بهم العذاب.
__________________
(١) عن علي رضي الله عنه ، انظر الكشاف ، ٥ / ١٩٠.
(٢) وإنه تعالى ، وي : وإن الله تعالى ، ح.
(٣) هذا منقول عن الكشاف ، ٥ / ١٩٠.