(وَما ظَلَمْناهُمْ) أي لا نعذبهم بغير ذنب (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [٨٦] باستكبارهم عن الإيمان.
(وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨))
(وَنادَوْا) عند شدة العذاب وطول مكثهم فيها أو لغلبة الجوع الملقى عليهم (يا مالِكُ) أي يا خازن جهنم ادع لنا ربك (لِيَقْضِ) أي ليحكم (عَلَيْنا رَبُّكَ) بالموت فيجيبهم مالك بعد أربعين سنة أو ألف سنة (قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) [٧٧] دائما في العذاب ، قيل : كيف قال (وَنادَوْا يا مالِكُ) بعد ما وصفهم بالإبلاس؟ أجيب بأن تلك أزمنة ممتدة فيختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتا لغلبة اليأس وينادون أوقاتا لشدة ما بهم من العذاب (١) ، ثم يقال لهم توبخا (لَقَدْ جِئْناكُمْ) على لسان رسلي (بِالْحَقِّ) أي القرآن والتوحيد في الدنيا (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) [٧٨] أي جاحدون.
(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩))
(أَمْ أَبْرَمُوا) أي أأحكم أهل مكة (أَمْراً) في كيد محمد عليهالسلام واتفقوا عليه (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) [٧٩] أي محكومون كيدنا لإهلاكهم كما أبرموا كيدهم له ، وذلك نزل حين اجتمعوا في دار الندوة ودخل إبليس عليهم لتقوية مكرهم (٢) ، وقد مر بيانه في سورة الأنفال ، قيل : المبرم هو المفتول على طاقين (٣).
(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠))
(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) أي بل يظنون أنا لا نعلم ما خطر ببالهم (وَنَجْواهُمْ) أي ما يتناجون بينهم جهرا وهم الذين كانوا يتناجون خلف الكعبة ، ويقولون لا يسمع رب محمد مقالتنا هنا فقال تعالى (بَلى) نسمع نحن ذلك (وَرُسُلُنا) أي الحفظة من الملائكة (لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [٨٠] ما يسرون وما يعلنون.
(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١))
قوله (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) نزل حين قالوا الملائكة بنات الله تبكيتا (٤) ، أي قل يا محمد إن كان للرحمن ولد فرضا (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [٨١] لذلك الولد ، وهذا غاية التوحيد والمبالغة في نفي الولد ، لأنه تعليق بالمحال لما ثبت ببرهان صحيح عقلي وحجة واضحة أن لا ولد له فانتفت عبادته لانتفائه ، لأن المعلق بالمحال محال مثله ، وفيه إيماء إلى الإنصاف في الجدال وإثبات للحجة عليهم في نفي الولد عنه تعالى ، وقيل : أنا أول الجاحدين لقولكم باضافة الولد إليه (٥) ، وقيل : (إِنْ) نافية ، أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين لله بنفي ذلك (٦).
(سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣))
وتكذيب قولكم قوله (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ) تنزيه لنفسه تعالى (عن ما (يَصِفُونَ) [٨٢] أي يقولون من الكذب بأن لله ولدا (فَذَرْهُمْ) أي اترك كفار مكة (يَخُوضُوا) أي يشرعوا في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا) أي يعاينوا (يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) [٨٣] وهو يوم القيامة (٧).
(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤))
(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) أي معبود فيها بدون الاستقرار (وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) أي معبود فيها كذلك ، يعني
__________________
(١) قد أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٢٣٢.
(٢) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢١٣.
(٣) نقل المفسر هذا المعنى عن السمرقندي ، ٣ / ٢١٣.
(٤) نقله عن الكشاف ، ٥ / ٢٣٣.
(٥) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٢٣٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ١٠٩.
(٦) وهذا منقول عن الكشاف ، ٥ / ٢٣٣.
(٧) قوله ، + وي.