كما علموا أنّ حياة الأرض بعد موتها بالمطر من قبل الله فليعلموا أنّ حياة النفوس بعد موتها ـ عند النّشر والبعث ـ بقدرة الله. وكما علموا ذلك فليعلموا أنّ حياة الأوقات بعد نفرتها ، وحياة القلوب بعد فترتها ... بماء الرحمة بالله.
قوله جل ذكره : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤))
الدنيا كالأحلام ، وعند الخروج منها انتباه من النوم. والآخرة هنالك العيش بكماله ، والتخلص ـ من الوحشة ـ بتمامه ودوامه.
قوله جل ذكره : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥))
الإخلاص تفريغ القلب عن الكلّ ، والثقة بأن الإخلاص ليس إلا به ـ سبحانه ، والتحقق بأنه لا يستكبر حالا في المحمودات ولا في المذمومات ، فعند ذلك يعبدونه مخلصين له الدّين. وإذا توالت عليهم الضرورات ، وانقطع عنه الرجاء أذعنوا الله متضرعين (فإذا كشف الضّرّ عنهم عادوا إلى الغفلة ، ونسوا ما كانوا فيه من الحال كما قيل) (١) :
إذا ارعوى عاد إلى جهله |
|
كذى الضنى عاد إلى نكسه |
قوله جل ذكره : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧))
منّ عليهم بدفع المحن عنهم وكون الحرم آمنا. وذكّرهم عظيم إحسانه عليهم ، ثم إعراضهم عن شكر ذلك.
__________________
(١) ما بين القوسين موجود في م وغير موجود في ص ، والسياق يتطلبه ؛ لأن الشاهد الشعرى الموجود فى النسختين يؤيد معناه.