قوله جل ذكره : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧))
الإشارة فيها إلى أن العبد لا يعلّق قلبه إلا بالله ؛ لأنّ ما يسوءهم ليس زواله إلا بالله ، وما يسرّهم ليس وجوده إلا من الله ، فالبسط الذي يسرّهم ويؤنسهم منه وجوده ، والقبض الذي يسوءهم ويوحشهم منه حصوله ، فالواجب لزوم عقوة (١) الأسرار ، وقطع الأفكار عن الأغيار.
قوله جل ذكره : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨))
القرابة على قسمين : قرابة النسب وقرابة الدّين ، وقرابة الدين أمسّ ، وبالمواساة أحقّ وإذا كان الرجل مشتغلا بالعبادة ، غير متفرّغ لطلب المعيشة فالذين لهم إيمان بحاله ، وإشراف على وقته يجب عليهم القيام بشأنه بقدر ما يمكنهم ، مما يكون له عون على الطاعة وفراغ القلب من كل علة ؛ فاشتغال الرجل بمراعاة القلب يجعل حقّه آكد ، وتفقّده أوجب.
(ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) : المريد هو الذي يؤثر حقّ الله على حظّ نفسه ؛ فإيثار المريد وجه الله أتمّ من مراعاته حال نفسه ، فهمّته في الإحسان إلى ذوى القربى والمساكين تتقدم على نظره لنفسه وعياله وما يهمه من خاصته.
قوله جل ذكره : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩))
إيتاء الزكاة بأن تريد بها وجه الله ، وألا تستخدم الفقير لما تبرّه به من رافقة (٢) ،
__________________
(١) العقوة الموضع المتسع أمام الدار.
(٢) الرافقة الرفق واللطف ، تقول : أولاه رافقة (الوسيط).