الحق. ولكنهم غفلوا عن شهود حقائق الربّ فخاطبهم على مقدار فهمهم ، وعلّق بالأغيار قلوبهم ، وكلّ يخاطب بما يحتمل على قدر قوّته وضعفه.
قوله جل ذكره : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢))
ملكتهم الدهشة وغلبتهم الخجلة ، فاعتذروا حين لا عذر ، واعترفوا ولا حين اعتراف.
قوله جل ذكره : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣))
لو (١) شئنا لسهّلنا سبيل الاستدلال ، وأدمنا التوفيق لكلّ أحد ، ولكن تعلّقت المشيئة بإغواء قوم ، كما تعلّقت بإدناء قوم ، وأردنا أن يكون للنار قطّان ، كما أردنا أن يكون للجنّة سكان ، ولأنّا علمنا يوم خلقنا الجنّة أنه يسكنها قوم ، ويوم خلقنا النار أنه ينزلها قوم ، فمن المحال أن نريد ألا يقع معلومنا ، ولو لم يحصل لم يكن علما ، ولو لم يكن ذلك علما لم نكن إلها ... ومن المحال أن نريد ألا نكون إلها.
ويقال : من لم يتسلّط عليه من يحبه لم يجر في ملكه ما يكرهه.
ويقال : يا مسكين أفنيت عمرك في الكدّ والعناء ، وأمضيت أيامك في الجهد والرجاء ، غيّرت صفتك ، وأكثرت مجاهدتك .. فما تفعل في قضائى كيف تبدّله؟ وما تصنع في مشيئتى بأيّ وسع تردّها؟ وفي معناه أنشدوا :
شكا إليك ما وجد |
|
من خانه فيك الجلد |
حيران لو شئت اهتدى |
|
ظمان لو شئت ورد |
__________________
(١) هذه الإشارة المستوحاة من الآية تمثل أقصى درجات الجبرية في مذهب هذا الباحث الصوفي ، ولكن القارئ لا يعزب عنه أن يجدها جبرية ممتزجة بالحب .. ويكفى أنها مرتبطة بمشيئة الخالق.