وجدوا السمع ـ الذي هو الإدراك ـ ولكن عدموا الفهم ، فلم يستجيبوا لما دعوا إليه. فعند ذلك استوجبوا من الله سوء العاقبة.
قوله جل ذكره : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤))
وذلك تعريف له أنهم لا تنفعهم قرابتهم منه ، ولا تقبل شفاعته ـ إن لم يؤمنوا ـ فيهم. فليس هذا الأمر من حيث النّسب ، فهذا نوح لمّا كفر ابنه لم تنفعه بنوّته ، وهذا الخليل إبراهيم عليهالسلام لما كفر أبوه لم تنفعه أبوّته ، وهذا محمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ كثير من أقاربه كانوا أشدّ الناس عليه في العداوة فلم تنفعهم قرابتهم.
قوله جل ذكره : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥))
ألن جانبك وقاربهم في الصحبة ، واسحب ذيل التجاوز على ما يبدر منهم من التقصير ، واحتمل منهم سوء الأحوال ، وعاشرهم بجميل الأخلاق ، وتحمّل عنهم كلّهم ، وارحمهم كلّهم ، فإن مرضوا فعدهم ، وإن حرموك فأعطهم ، وإن ظلموك فتجاوز عنهم ، وإن قصّروا في حقى فاعف عنهم ، واشفع لهم ، واستغفر لهم (١).
قوله جل ذكره : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦))
لا تفعل مثل فعلهم ، وكل حسابهم إلينا إلا فيما أمرناك بأن تقيم فيه عليهم حدّا ، فعند ذلك لا تأخذك رأفة تمنعك من إقامة حدّنا عليهم.
قوله جل ذكره : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧))
انقطع إلينا ، واعتصم بنا ، وتوسّل إلينا بنا ، وكن على الدوام بنا ، فإذا قلت فقل بنا ، وإذا صلت فصل بنا ، واشهد بقلبك ـ وهو في قبضتنا ـ تتحقق بأنك بنا ولنا.
توكّل على (الْعَزِيزِ) تجد العزّة بتوكلك عليه في الدارين ، فإنّ العزيز من وثق بالعزيز.
__________________
(١) تصلح هذه الإشارة لتكون دستورا فى (الصحبة) بصفة عامة. وللقشيرى فصل في الرسالة في هذا الخصوص.