(الرَّحِيمِ) الذي يقرّب من تقرّب إليه ، ويجزل البرّ لمن توسّل به إليه (١).
قوله جل ذكره : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨))
اقتطعه بهذه الآية عن شهود الخلق ، فإنّ من علم أنه بمشهد من الحقّ راعى دقائق أحواله ، وخفايا أموره مع الحقّ (٢).
قوله جل ذكره : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩))
هوّن عليه معاناة مشاقّ العبادة بإخباره برؤيته. ولا مشقّة لمن يعلم أنّه بمرأى من مولاه ، وإنّ حمل الجبال الرواسي على شفر (٣) جفن العين ليهون عند من يشاهد ربّه (٤).
ويقال (تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) بين أصحابك ، فهم نجوم وأنت بينهم بدر ، أو هم بدور وأنت بينهم شمس ، أو هم شموس وأنت بينهم شمس الشموس.
ويقال : تقلبك في أصلاب آبائك من المسلمين الذين عرفوا الله ، فسجدوا له دون من لم يعرفوه.
قوله جل ذكره : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠))
(السَّمِيعُ) لأنين المحبين ، (الْعَلِيمُ) بحنين العارفين.
(السَّمِيعُ) لأنين المذنبين ، (الْعَلِيمُ) بأحوال المطيعين.
__________________
(١) هذه الإشارة نموذج طيب لعبقرية القشيري عند صياغة (وصاياه) للمريدين من الناحيتين الصوفية والأدبية.
(٢) يقال إنه لما دخل ذو النون المصري بغداد اجتمع إليه الصوفية ، ومعهم قوال ، فاستأذنوا ذا النون أن يقول بين يديه شيئا ، فأذن له ، فابتدأ يقول ، فقام ذو النون وسقط على وجهه والدم يقطر من جبينه ولا يسقط على الأرض. ثم قام رجل من القوم يتواجد ، فقال له ذو النون : «الذي يراك حين تقوم» فجلس الرجل.
ويعلق الشيخ الدقاق على هذه القصة بأن ذا النون كان صاحب إشراف على هذا الرجل ، وكان الرجل صاحب إنصاف حين قبل منه ذلك فرجع وقعد (الرسالة ص ١٧٠).
(٣) شفر الجفن ـ حرفه الذي ينبت عليه الهدب. (الوسيط).
(٤) يربط النسفي بين هذه الآية وبين الآيتين السابقة واللاحقة ، فالمعنى عنده : أنه سبحانه (يراك حين تقوم) متهجدا ، ويرى (تقلبك) فى المصلين ؛ يرى ما كنت تفعل في جوف الليل من قيامك للتهجد ، وتقلبك في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابك لتطلع عليهم من حيث لا يشعرون ، ولتعلم كيف كانوا يعملون لآخرتهم. وهو (سميع) لما تقوله ، (عليم) بما تنويه وبما تعمله ، وبذلك هوّن عليه معاناة كل مشقة حيث أخبر برؤيته له في كل ما يقوم به.