إذا لقيتموه ـ وقد عبدتم غيره .. فما الذي تقولون له؟ وكيف بكم في مقام الخجلة مما بين أيديكم وإن كنتم اليوم ـ غافلين عنه؟
قوله جلّ ذكره : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩))
قيل أراد «إلى» النجوم فأقام (فِي) مقام «إلى» (١).
(إِنِّي سَقِيمٌ) : كانت تأتيه الحمىّ في وقت معلوم ، فقال : قرب الوقت الذي أسقم فيه من أخذ الحمىّ إياى ، فكأنه تعلل بذلك ليتأخر عنهم عند ذهابهم إلى عيدهم لتمشية ما كان في نفسه من كسر الأصنام.
ويقال كان ذلك من جملة المعاريض. وقيل أرى من نفسه موافقة قولهم في القول بالنجوم لأنهم كانوا يقولون بالنجوم ، فتأخر بهذا السبب عنهم (٢).
وكان إبراهيم في زمان النبوة فلا يبعد أنّ الله ـ عزوجل ـ قد عرّفه بطريق الوحى أنه يخلق ـ سبحانه ـ باختياره أفعالا عند حركات الكواكب.
ثم لمّا ذهبوا إلى عيدهم كسّر أصنامهم ، فلمّا رجعوا قالوا ما قالوا ، وأجابهم بما أجابهم به إلى قوله :
(قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨))
ردّ الله كيدهم إلى نحورهم. وقد تعرّض له جبريل ـ عليهالسلام ـ وهو في
__________________
(١) ربما نعترض على هذا ... فمع تسليمنا بجواز نيابة حروف الجر بعضها عن بعض إلا أننا نرى أن استعمال «فى» أدق ... فالمقصود من أن ابراهيم «نظر فى» النجوم أنه تأمل وتفكر. بينما لا تؤدى «نظر إلى» أكثر من التطلع بالعين وفرق بين التأمل بالفكر والبصيرة وبين التطلع بالبصر ـ والله أعلم.
(٢) أرسل إليه ملكهم إن غدا عيدنا فاخرج معنا ، فنظر إلى نجم طالع وقال : إن هذا يطلع مع سقمى ـ وكان علم النجوم مستعملا عندهم ـ فأراهم من معتقدهم عذرا لنفسه. وذلك أنهم كانوا أهل وعاية وفلاحة ، وهاتان المعيشتان يحتاج فيهما إلى نظر في النجوم (القرطبي ص ٩٢ ج ١٥).