قوله جل ذكره : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) ...) الآيات
أرسل الله إلى داود عليهالسلام ملكين من السماء على صورة رجلين فتحا كما إليه تنبيها له على ما كان منه من تزوّجه بامرأة أوريا ، وكان ترك ذلك أولى ـ هذا على طريق من رأى تنزيه الأنبياء عليهمالسلام من جميع الذنوب.
وأمّا من جوّز عليهم الصغائر فقال : هذا من جملته. وكنّى الخصمان باسم النعجة عن النساء.
وكان داود عليهالسلام قال لله سبحانه وتعالى : إنّى لأجد في التوراة أنّك أعطيت الأنبياء الرّتب فأعطنيها ، فقال : إنهم صبروا فيما ابتليتهم به ، فوعد داود من نفسه الصبر إذا ابتلاه طمعا في نيل الدرجات ، فأخبر الله تعالى أنه يبتليه يوم كذا ، فجعل داود ذلك اليوم يوم عبادة ، واختلى في بيته ، وأمر حرّاسه ألا يؤذيه أحد بالدخول عليه ، وأغلق على نفسه الباب ، وأخذ يصلّى زمانا ، ويقرأ التوراة زمانا يتعبّد. أغلق على نفسه الباب ولكن لم يمكنه غلق باب السماء. وأمر حرسه أن يدفعوا عنه الناس وكانوا ثلاثين ألف رجل ـ ويقال أربعة آلاف ـ ولكن لم يمكنهم أن يدفعوا عنه حكم القضاء ، ولقد قال الحكماء : الهارب مما هو كائن في كفّ الطالب يتقلب.
وكانت في البيت كوّة يدخل منها الضوء ، فدخل طير صغير من الذهب ، ووقع قريبا منه ، وكان لداود ابن صغير فهمّ أن يأخذه ليدفعه إلى ابنه (١) ، فتباعد عنه. وجاء في التفاسير : أنه كان إبليس ، قد تصوّر له في صورة طير ، فتبعه داود ، ولم يزل الطائر يتباعد قليلا قليلا ، وداود يتبعه حتى خرج من الكوة ، ونظر داود في إثره فوقع بصره على امرأة أوريا وهي تغتسل متجردة ، فعاد إلى قلبه منها شىء ، فكان هذا السبب.
ويقال لم يرع الاهتمام بسبب ولده حتى فعل به ما فعل ، وفي ذلك لأولى الأبصار عبرة (٢).
__________________
(١) نقل القرطبي هذه الرواية منسوبة إلى القشيري ج ١٥ ص ١٨٢.
(٢) يحاول القشيري في تلمسه لسبب محنة داود أن يوضح المريدين أنه حتى الأكابر قد تحل بهم البلوى نتيجة المساكنة إلى غيره ، فيغار الحق عليهم وينزل بهم من الأمر ما يردهم إلى الحق ... وذلك فضل الله سبحانه.