ولا ينكر في الجواز أن يكون الله أسمع موسى كلامه بإسماع خلقه له ، وخلق كلاما فى الشجرة أيضا ، فموسى سمع كلامه القديم وسمع كلاما مخلوقا في الشجرة ... وهذا من طريق العقل جائز.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨))
أي بورك من هو في طلب النار ومن هو حول النار (١).
ومعنى بورك أي لحقته البركة أو أصابته البركة .. والبركة الزيادة والنّماء في الخير.
والدعاء من القديم ـ سبحانه ـ بهذا يكون تحقيقا له وتيسيرا به.
قوله جل ذكره (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩))
الذي يخاطبك (أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ) فى استحقاق جلالى ، (الْحَكِيمُ) فى جميع أفعالى.
قوله جل ذكره : (وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ)
في آية أخرى بيّن أنه سأله ، وقال له على وجه التقرير : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟) وأجابه بقوله : (هِيَ عَصايَ) وذكر بعض ما له فيها من المآرب والمنافع ، فقال الله : (وَأَلْقِ عَصاكَ) ، وذلك لأنه أراد أن يريه فيها من عظيم البرهان ما يجعل له كمال اليقين.
وألقاها موسى فقلبها الله ثعبانا ، أولا حية صغيرة ثم صارت حية كبيرة ، فأوجس في نفسه موسى خيفة وولّى مدبرا هاربا ، وكان خوفه من أن يسلّطها عليه لمّا كان عارفا بأن الله يعذّب من يشاء بما يشاء ، فقال له الحقّ :
(يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ).
أي لا ينبغى لهم أن يخافوا.
__________________
(١) يرى النسفي أن (من) فى مكان النار هم الملائكة ، و (من حولها) هو موسى. (النسفي ح ٣ ص ٢٠٢).