والعبادة الخالصة معانقة الأمر على غاية الخشوع. وتكون بالنّفس والقلب والروح ؛ فالتى بالنفس فالإخلاص فيها التباعد عن الانتقاص ، والتي بالقلب فالإخلاص فيها العمى عن رؤية الأشخاص ، والتي بالروح فالإخلاص فيها التنقّى عن طلب الاختصاص (١).
قوله جل ذكره : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)
الدين الخالص ما تكون جملته لله ؛ فما للعبد فيه نصيب فهو من الإخلاص بعيد ، اللهم أن يكون بأمره ؛ فإنه إذا أمر العبد أن يحتسب الأجر على طاعته فإطاعته لا تخرجه عن الإخلاص باحتسابه ما أمره به ، ولو لا هذا لما صحّ أن يكون في العالم مخلص.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ...) أي الذين عبدوا الأصنام قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ، ولم يقولوا هذا من قبل الله ولا بأمره ولا بإذنه ، وإنما حكموا بذلك من ذات أنفسهم ، فردّ الله عليهم. وفي هذا إشارة إلى أن ما يفعله العبد من القرب بنشاط نفسه من غير أن يقتضيه حكم الوقت ، وما يعقد بينه وبين الله من عقود ثم لا يفى بها .. فكل ذلك اتباع هوى ، قال تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) (٢).
قوله جل ذكره : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ)
لا تهديهم اليوم لدينه ، ولا في الآخرة إلى ثوابه. والإشارة فيه إلى تهديد من يتعرّض لغير مقامه ، ويدّعى شيئا ليس بصادق فيه ، فالله لا يهديه قط إلى ما فيه سداده ورشده. وعقوبته أن يحرمه ذلك الشيء الذي تصدّى له بدعواه قبل تحققه بوجوده وذوقه.
__________________
(١) تصلح هذه الفقرة لتوضيح درجات العبادة ودرجات الإخلاص ، والآفات التي تلحق كل درجة منها ، وكيفية التنقى عن هذه الآفات ـ وبمعنى آخر فإنها تهمنا عند ما نبحث أصول ما أطلقنا عليه : علم النفس الصوفي.
(٢) آية ٢٧ سورة الحديد.