التي يغروهم بها آثار رضاه عنهم. فإذا عرف الكافر في الآخرة أنّ ربّه عليه غضبان فلا شىء أصعب على قلبه من ذلك ؛ لأنه علم أنه لا بكاء ينفعه ، ولا عناء يزيل عنه ما هو فيه ويدفعه ، ولا يسمع له تضرّع ، ولا ترجى له حيلة.
قوله جل ذكره : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١))
الإماتة الأولى إماتتهم في الدنيا ثم في القبر يحييهم ، ثم يميتهم فهى الإماتة الثانية. والإحياء الأول في القبر والثاني عند النشر (١).
(فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) : أقروا بذنوبهم ـ ولكن في وقت لا ينفعهم الإقرار.
(فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) مما نحن فيه من العقوبة ، وإنما يقولون ذلك حين لا ينفعهم الندم والإقرار. فيقال لهم :
(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢))
ـ أي تصدّقوا المشركين لكفرهم. [وهؤلاء إماتتهم محصورة ، فأمّا أهل المحبة فلهم في كلّ وقت حياة وموت ، قال قائلهم :
أموت إذا فقدتك ثم أحيا |
|
فكم أحيا عليك وكم أموت! |
فإنّ الحقّ ـ سبحانه ـ يردّد أبدا الخواصّ من عباده بين الفناء والبقاء ،
__________________
(١) هذا الرأي يذهب إليه السّدّى أيضا ، وإنما إحياؤهم في القبور للمسألة ، ومن هذا استدل العلماء على سؤال القبر.
واستدل من الآية كذلك على إحياء الأجساد ، لأن الروح ـ عند من يقصر أحكام الآخرة على الأرواح ـ لا تموت ولا تتغير ولا تفسد ، فلو كان الثواب والعقاب للروح ـ دون الجسد ـ فما معنى الإحياء والإماتة؟
ويذهب ابن عباس وابن مسعود وقتادة والضحاك إلى أنهم كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ، ثم أحياهم. ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها في الدنيا ، ثم أحياهم البعث والقيامة ، فهاتان حياتان وموتتان.