تكون في حال الاضطرار لما لا يكون ابتداؤه جرما لك ، وتكون ضرورتك لسراية جنايتك.
قوله جل ذكره : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥))
رافع الدرجات للعصاة بالنجاة (١) ، وللمطيعين بالمثوبات ، وللأصفياء والأولياء بالكرامات ، ولذوى الحاجات بالكفايات ، وللعارفين بتنقيبهم عن جميع أنواع الإرادات.
ويقال درجات المطيعين بظواهرهم في الجنة ، ودرجات العارفين بقلوبهم في الدنيا ؛ فيرفع درجاتهم عن النظر إلى الكونين دون المساكنة إلهما. وأمّا المحبون فيرفع درجاتهم عن أن يطلبوا في الدنيا والعقبى شيئا غير رضاء محبوبهم (٢).
(ذُو الْعَرْشِ) : ذو الملك الرفيع. ويقال العرش الذي هو قبلة الدعاء ، خلقه أرفع المخلوقات وأعظمها جثة (٣).
(يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) روح بها ضياء أبدانهم ـ وهو سلطان عقولهم ، وروح بهاء ضياء قلوبهم ـ وهو شفاء علومهم ، وروح بها ضياء أرواحهم
__________________
(١) واضح أن القشيري لا يكاد يترك فرصة دون أن يفتح أبواب الأمل أمام العصاة حتى لا يقنطوا من رحمة الله .. وهذا نابع من سياحته الصوفية الأصيلة.
(٢) هنا نلاحظ أن القشيري جعل المحب أعلى درجة من العارف ـ مع أن العرفان الذي غايته التوحيد ـ هو أعلى مراتب الطريق الصوفي. ولكن نظرا لأن الحب والفناء والمعرفة كلها من الحب وإلى الحب فكثيرا ما نجد كتاب التصوف كالقشيرى والغزالي وغيرهما لا يتقيدون تقيدا حرفيا بهذا الترتيب الذي يفيد في الدراسة فقط ، وقد تناولنا هذه النقطة بالتفصيل في كتابنا «نشأة التصوف الإسلامى ط دار المعارف» فى مقدمة باب «المذاقات».
(٣) نلاحظ أن القشيري هنا يصف (العرش) مرة بأنه الملك أو قبلة الدعاء ثم يعود فيقول (.... وأعظمها جثة) بمعنى أن يجرد العرش مرة من المادية ثم يعود ليخلع عليه النسبة المادية ، فإذا كان ذلك بقصد مخاطبة الناس على قدر فهومهم ـ كما قلنا من قبل فهذا جائز .. ولكن الواقع أن القشيري يعبر عن شىء من الاضطراب الذي أصاب الأشاعرة إزاء المتشابهات ، وهو أمر تحدثنا عنه بالتفصيل في كتابنا (لإمام القشيري ـ تصوفه وأدبه) ... ولعل خير ما انتهى إليه الرازي قوله «حاصل مذهب السلف أن هذه المتشابهات يجب القطع فيها بأن مراد الله منها شىء غير ظواهرها ، ثم يجب تفويض معناها إلى الله ، ولا يجوز الخوض في تفسيرها» (أساس التقديس للرازى ط الكردي ص ٢٢٣) :