أوضح الآيات ، وألاح البينات ، وأزاح علّة من رام الوصول. واختلاف الليل والنهار ، ودوران الشمس والقمر من جملة أمارات قدرته ، ودلالات توحيده.
(لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ) فى علائها ، (وَلا لِلْقَمَرِ) فى ضيائه ، (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ) فقد غار (١) عليك أن تسجد لغيره.
والشمس ـ وإن علت ، والقمر ـ وإن حسن .. فلأجلك خلقناهما ، فلا تسجد لهما ، واسجد لنا.
ويقال : خلق الملائكة ـ ومع كثرة عبادتهم ، ومع تقدمهم في الطاعة ـ قال لهم : اسجدوا لآدم ، وحين امتنع واحد منهم لعن إلى الأبد. وقال لأولاد آدم العصاة المذنبين : (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ ...) فشتّان ما هما!!
والحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ يأمرك بصيانة وجهك عن الشمس والقمر .. وأنت لأجل كلّ حظّ خسيس تنقل قدمك إلى كلّ أحد ؛ وتدخل بمحياك على كلّ أحد!!
قوله جل ذكره : (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨))
(٢) أي إن ترفّع الكفار فلا خلل ؛ لأن الحقّ غنىّ عن كل أحد ، ثم إن الملائكة ـ الذين هم سكان الآخرة ـ يسجدون له بالليل والنهار ، وهم لا يسأمون من عبادته.
__________________
(١) يقول القشيري في رسالته ص ١٢٦ «الغيرة كراهية مشاركة الغير ، وإذا وصف الحق سبحانه بالغيرة فمعناه أنه لا يرضى بمشاركة الغير معه فيما هو حق له من طاعة عبده».
(٢) هذه آية سجدة ، واختلف في موضع السجود منها .. فقال مالك إن موضعه «إن كنتم إياه تعبدون» «لأنه متصل بالأمر» .. وقال الشافعي إنه : «وهم لا يسأمون» لأنه تمام الكلام وغاية العبادة والامتثال.
وقد تضمنت الآية صلاة الكسوف ، وذلك أن العرب كانت تقول : إن الشمس والقمر لا يكسفان إلا لموت عظيم .. فصلّى النبي (ص) صلاة الكسوف (القرطبي ح ١٥ ص ٣٦٤).