ومن جملة حسن الخلق في الصحبة مع الخلق ألا تنتقم لنفسك ، وأن تعفو عن خصمك.
قوله جل ذكره : (وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥))
لا يقوم بحق هذه الأخلاق إلّا من أكرم بتوفيق الصبر ، ورقّى عن سفساف الشيم إلى معالى الأخلاق. ولا يصل أحسن الدرجات إلا من صبر على مقاساة الشدائد.
قوله جل ذكره : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦))
إذا اتصلت بقلبك نزغات الشيطان فبادر بذكر ربّك ، وارجع إليه قبل أية خطوة (١) .. فإنك إن لم تخالف أول هاجس من هواجس الشيطان صار فكرة ، ثم بعد ذلك يحصل العزم على ما يدعو إليه الشيطان .. فإذا لم تتدارك ذلك تجرى الزلّة ، وإذا لم تتدارك ذلك بحسن الرّجعى صار فسقا .. وبتمادي الوقت تصبح في خطر كل آفة.
ولا يتخلص العبد من نزغات الشيطان إلا بصدق الاستعانة وصدق الاستغاثة وبذلك ينجو من الشيطان ، وقد قال تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (٢) ؛ فكلما ازداد العبد في تبرّيه من حوله وقوته (٣) ، وأخلص بين يدى الله بتضرعه واستعانته واستعاذته زاد الله في حفظه ، ودفع الشيطان عنه.
قوله جل ذكره : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧))
__________________
(١) هكذا في م وهي في ص (خطرة) بالراء ، ونحن لا نرفض ذلك إذ يقول القشيري في رسالته ص ٤٦ : «الخواطر خطاب يرد على الضمائر وقد يكون الخاطر بإلقاء مسلك ، وأو بإلقاء الشيطان ، وقد يكون حديث النفس» .. ويقول في نفس الموضع : كل خاطر لا يشهد الظاهر فهو باطل.
(٢) آية ٦٥ سورة الإسراء.
(٣) لانه كلما ازداد في ذلك ازدادت عبوديته ، فدخل في زمرة «عبادى» الذين ليس الشيطان عليهم سلطان وبهذا الفهم يتأيد السياق ويتماسك في ظل الشاهد القرآنى.