لا يملّ الإنسان من إرادة النفع والسلامة ، وإن مسّه الشرّ فيئوس لا يرجو زواله لعدم علمه بربه ، وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إليه.
(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠))
لئن كشفنا عنه البلاء ، وأوجبنا له الرجاء لادّعاه استحقاقا أو اتفاقا ، وما اعتقد أن ذلك منّا فضل وإيجاب.
ويقول : لو كان لى حشر ونشر لكان لى من الله لطف وخير ، وغدا يعلم الأمر ، وأنه بخلاف ما توهّم .. وذلك عند ما نذيقه ما يستوجبه من عذاب.
قوله جل ذكره : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١))
هو لا يميز بين البلاء والعطاء ؛ فكثير مما يتوهمه عطاء هو مكر واستدراج .. وهو يستديمه. وكثير مما هو فضل وصرف (١) وعطاء يظنه من البلاء فيعافه (٢) ويكرهه.
ويقال إذا أنعمنا عليه صاحبه بالبطر ، وإذا أبليناه قابله بالضجر.
ويقال إذا أنعمنا عليه أعجب بنفسه ، وتكبّر مختالا في زهوه ، لا يشكر ربّه ، ولا يذكر فضله ، ويتباعد عن بساط طاعته.
__________________
(١) صرف الله المكاره صرفا أي أبعدها.
(٢) فى م (فيعافيه) وهي خطأ في النسخ.