قوله جل ذكره : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥))
أي تكاد السماوات تتشقق من عظمة من فوقهن وهو الله تعالى ، والفوقية هنا فوقية رتبة (١) ؛ وذلك من شدة هيبتهن من الله.
ويقال من ثقل الملائكة الذين هم فوق السماوات لكثرتهم. وفي الخبر : «أطت (٢) السماء أطا وحق لها أن تئط ؛ ما من موضع قدم في السماوات إلا وعليه قائم أو راكع أو ساجد».
ويقال إنه على عادة العرب إذا أخبروا عن شىء قالوا كادت السماوات تنشقّ له .. وهنا لقبح قول المشركين ولجرأتهم على الله تعالى ، ولعظم قولهم كادت السماوات تنشقّ .. قال تعالى : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) (٣) وعلى هذا التأويل : (يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) أي إلى أسفلهن ، أي تتفطر جملتها (٤).
ومع أنّ أولاد آدم بهذه الصفة إلا أن الملائكة يسبحون بحمد ربهم لا يفترون ، ويستغفرون لمن في الأرض .. ثم قال : (أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) : أي يغفر لهم مع كثرة عصيانهم. وفي الوقت الذي يرتكب فيه الكفار هذا الجرم العظيم بسبب شركهم فإنه ـ سبحانه ـ لا يقطع رزقه ونفعه عنهم ـ وإن كان يريد أن يعذّبهم في الآخرة.
قوله جل ذكره : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ
__________________
(١) لجأ القشيري إلى التأويل كى يتفادى نسبة المكانية إلى الألوهية.
(٢) أطّ الظّهر ـ صوّت من ثقل الحمل (الوسيط).
(٣) آيات ٨٩ ، ٩٠ ، ٩١ سورة مريم.
(٤) يقول النسفي : كان القياس أن يقال يتفطرن من نحتهن من الجهة التي جاءت منها كلمة الكفر ، ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق كأنه قيل : كدن يتفطرن من الجهة التي فوقهن دع الجهة التي تحتهن. (النسفي ح ٤ ص ١٠٠).