قوله جل ذكره : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥))
(وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) الألف واللام للجنس مطلقا ، وهي هنا للعهد ؛ أي تلك السيئات التي تكفى التوبة المذكورة في الشريعة لقبولها ؛ فإنه يعفو عنها إذا شاء (١). (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) : من الأعمال على اختلافها (٢).
وهو (الَّذِي) .. : الذي من الأسماء الموصولة التي لا يتم معناها إلا بصلة ، فهو قد تعرّف إلى عباده على جهة المدح لنفسه بأنه يقبل توبة العبد ؛ فالزّلّة ـ وإن كانت توجب للعبد ذميم الصّفة ـ فإنّ قبولها يوجب للحقّ حميد الاسم.
ويقال : قوله : (عِبادِهِ) اسم يقتضى الخصوصية (لأنه أضافه إلى نفسه) (٣) حتى تمنّى كثير من الشيوخ أن يحاسبه حساب الأولين والآخرين لعلّه يقول له : عبدى. ولكن ما طلبوه فيما قالوه موجود فى (التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) ؛ وإذا فلا ينبغى لهم أن يتمنوا كذلك ، وعليهم أن أن يتوبوا لكى يصلوا إلى ذلك.
ويقال لمّا كان حديث العفو عن السيئات ذكرها على الجمع والتصريح (٤) فقال : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ). ثم لمّا كان حديث التهديد قال : (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) فذكره على التلويح ؛ فلم يقل : ويعلم زلّتك ـ بل قال ويعلم (ما) تفعلون ، وتدخل في ذلك الطاعة والزّلة جميعا (٥).
قوله جل ذكره : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)
__________________
(١) يشير القشيري إلى الآية الكريمة «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء».
(٢) ويدخل في ذلك ـ كما سيأتى بعد قليل ـ المعاصي والطاعات.
(٣) ما بين القوسين إضافة من عندنا طبقا لما نعرفه من أسلوب القشيري في مثل هذا الموضع.
(٤) هكذا في م وهي في ص (والتضرع) وهي خطأ في النسخ لعدم ملامتها السياق ؛ فالتصريح يقابل «التلويح» المذكور فيما بعد.
(٥) فى هذه الإشارة وما تلاها يبدو انفتاح باب الأمل أمام العصاة ، وكيف يحثهم هذا الإمام الجليل على التوبة الآملة والرجاء الوطيد في رحمة الله.