فلا الخضراء بسببهم اغبرّت ، ولا الغبراء لغيبتهم اخضرّت. لم يبق منهم عين ولا أثر ، ولم يظهر من قبلهم على قلب أحد من عبادنا أثر. وكيف تبكى السماء لفقد من لم تستبشر به من قبل؟ بعكس المؤمن الذي تسرّ السماء بصعود عمله إليها ، فإنها تبكى عند غيابه وفقده (١).
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢))
نجّاهم ، وأقمى عدوّهم ، وأهلكه.
(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ ...) أي علمنا ما يحتقبون من أوزارهم (٢) ، فرفعنا ـ باختيارنا ـ من أقدارهم ما وضعه فعلهم وتدنسّهم بأوضارهم.
ويقال : (عَلى عِلْمٍ) منا بأحوالهم أنهم يؤثرون أمرنا على كل شىء.
ويقال : (عَلى عِلْمٍ) منا بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا.
ويقال : (عَلى عِلْمٍ) منا بما نودع عندهم من أسرارنا ، وما نكاشفهم به من حقائق حقّنا.
قوله جل ذكره : (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣))
من مطالبته بالشكر عند الرخاء ، والصبر عند الكدر والعناء (٣).
قوله جل ذكره : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا
__________________
(١) عن شريح الحضرمي : قال النبي (ص) : «ألا لا غربة على مؤمن ، فما مات مؤمن في غربة غائبا عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض».
(٢) في ص (إنذارهم) والسياق يرفضها ، والصواب ما في م.
(٣) لأن البلاء يكون بالنعمة والنقمة ، قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً).