أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩))
وهذا قبل أن نزل قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (١).
وفي الآية دليل على فساد قول أهل القدر والبدع حيث قالوا : «إيلام البرىء قبيح في العقل». لأنه لو لم يجز ذلك لكان يقول : أعلم ـ قطعا ـ أنى رسول الله ، وأنى معصوم .. فلا محالة يغفر لى ، ولكنه قال : وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم ؛ ليعلم أن الأمر أمره ، والحكم حكمه ، وله أن يفعل بعباده ما يريد (٢).
قوله جل ذكره : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠))(٣)
تبيّن له أنه لا عذر لهم بحال ، ولا أمان لهم من عقوبة الله. وما يستروحون إليه من حججهم عند أنفسهم كلّها ـ في التحقيق ـ باطل. وأخبر أن الكفار قالوا : لو كان هذا الذي يقوله
__________________
(١) آية (٢) سورة الفتح وبنزولها نسخت هذه الآية ، وزال فرح المشركين واليهود والمنافقين الذين كانوا يقولون : كيف نتبع نبيا لا يدرى ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا ، ولو لا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به ـ وبنزول هذه الآية أرغم الله أنوفهم ، وقالت الصحابة : هنيئا لك يا رسول الله! وهنيئا لنا!
(٢) القشيري ينكر أن يذهب البشر إلى التماس تعليلات للأفعال الإلهية ؛ لأن أفعال الله سبحانه لا تخضع للأغراض ، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فهو يعود بالأمر كله إلى الحكمة والإرادة الإلهيتين ، وطالما هما في غير نطاق الإنسانية فلا ينبغى إخضاعهما للمفاهيم الإنسانية من حسن وقبح ، وخير وشر ؛ لأن هذه المفاهيم متأثرة بالمصلحة والغرض .. والله منزه عن ذلك ، فله أن يفعل بعباده ما يشاء ، وإذا كان رب الأسرة لا يقودها إلا إلى الخير فما ظنك برب البرية وخالق كل شىء؟!
(٣) هو عبد الله بن سلام عند الجمهور ، ولهذا قيل إن هذه الآية مدنية ؛ لأن إسلامه كان بالمدينة. وروى أنه سأل النبي عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبى : ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة ، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه.؟ فقال الرسول (ص) : أول أشراط الساعة نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، وأول طعام أهل الجنة زيادة كبد حوت ، وأما الولد فاذا سبق ماء الرجل نزعه وإن سبق ماء المرأة نزعته. فقال : أشهد أنك رسول الله حقا. (صحيح البخاري ح ٢ ص ٢٢٦).