طبق كبير صاف مضىء ، ووضعه فوق بركة بها ماء كثير عميق ، يرى الماء من أسفل الزجاج ولا يميّز بين الزجاج والماء ، وأمرت أن تخوض تلك البركة ، فكشفت عن ساقيها ؛ لأنها وصفت لسليمان بأنها جنّية النّسب ، وأن رجليها كحوافر الدواب ، فتقوّلوا عليها. ولمّا توهّمت أنها تخوض الماء كشفت عن ساقيها ، فرأى سليمان رجليها صحيحين. وقيل لها : (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) : فصار ذلك أيضا سببا وموجبا ليقينها. وآمنت وتزوج بها سليمان عليهالسلام.
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥))
ذكر قصة ثمود ، وقصة نبيّهم صالح عليهالسلام ، وما جرى بينه وبينهم من التكذيب ، وطلبهم منه معجزة ، وحديث الناقة وعقرها ، وتبرمهم بالناقة بعد أن رأوا فيها من الفعل الذي كانت لهم فيه أعظم آية .. إلى قوله :
(وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠))
ومكرهم ما أظهروا في الظاهر من موافقة صالح ، وعقرهم الناقة خفية ، وتوريك الذّنب على غير جارمه (١) ، والتبرّى من اختيارهم ذلك.
وأمّا مكر الله فهو جزاؤهم على مكرهم بإخفاء ما أراد بهم من العقوبة عنهم ، ثم إحلالها بهم بغتة. فالمكر من الله تخليته إياهم مع مكرهم بحيث لا يعصمهم ، وتزيين ذلك في أعينهم ، وتحبيب ذلك إليهم .. ولو شاء لعصمهم. ومن أليم مكره انتشار الصيت بالصلاح ، والعمل في السّرّ بخلاف ما يتوهم بهم من الصلاح ، وفي الآخرة لا يجوز في سوقها هذا النّقد! (٢).
__________________
(١) أي إلقاء الجرم على غير من اقترف الجرم.
(٢) جميل من القشيري تعبيره عن أسلوب (التعامل) بين الخلق والمخلوق مكرا بمكر بلفظة (النقد) .. وفي لآخرة لا يسرى هذا النقد ، فلا يجدى مكرهم فتيلا لأن التعامل فى (سوق) الآخرة يكون على نحو آخر.