قوله جل ذكره : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤))
أي إن تدّبروا القرآن أفضى بهم إلى العرفان ، وأراحهم من ظلمة التحيّر.
(أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) : أقفل الحقّ عل قلوب الكفار فلا يداخلها زاجر التنبيه ، ولا ينبسط عليها شعاع العلم ، فلا يحصل لهم فهم الخطاب ؛ فالباب إذا كان مقفلا ... فكما لا ينخل فيه شىء لا يخرج منه شىء ؛ كذلك قلوب الكفار مقفلة ، فلا الكفر الذي فيها يخرج ، ولا الإيمان الذي هم يدعون إليه يدخل في قلوبهم.
وأهل الشّرك والكفر قد سدّت بصائرهم وغطّيت أسرارهم ، ولبّس عليهم وجه التحقيق.
قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥))
الذي يطلع فجر قلبه ، ويتلألأ نور التوحيد فيه ، ثم قبل متوع نهار إيمانه انكسفت شمس يومه ، وأظلم نهار عرفانه ، ودجا ليل شكّه ، وغابت هجوم عقله ... فحدّث عن ظلماته ...! ولاحرج! (١)
[ذلك جزاؤهم على مما لأئهم مع المنافقين ، وتظاهرهم ... فإذا توّفتهم الملائكة تتصل آلامهم ، ولا تنقطع بعد ذلك عقوباتهم.] (٢).
قوله جل ذكره : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩))
ليس الأمر كما توهّمموه ، بل الله يفضحهم ويكشف تلبيسهم ، ولقد أخبر الرسول عنهم ، وعرّفه أعيانهم.
__________________
(١) القشيري هنا يغمز بمن ينتمون إلى طريقة الصوفية ثم يفسخون عقدهم مع الله ، ويتخلون عن طريق الإرادة بعد قطعهم مسافة قصيرة.
(٢) ما بين القوسين الكبيرين ساقط في م وثابت في ص.