أمرهم بحفظ حرمته ، ومراعاة الأدب في خدمته وصحبته ، وألّا ينظروا إليه بالعين التي ينظرون بها إلى أمثالهم. وأنه إذا كان بخلقه يلاينهم فينبغى ألا يتبسّطوا معه متجاسرين ، ولا يكونوا مع ما يعاشرهم به من تخلّقه عن حدودهم زائدين.
ويقال : لا تبدأوه بحديث حتى يفاتحكم.
قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣))
هم الذين تقع السكينة عليهم من هيبة حضرته ، أولئك هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى بانتزاع حبّ الشهوات منها ، فاتقوا سوء الأخلاق ، وراعوا الأدب.
ويقال : هم الذين انسلخوا من عادات البشرية.
قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))
أي لو عرفوا قدرك لما تركوا حرمتك ، والتزموا هيبتك.
ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم ولم يستعجلوا ، ولم يوقظوك وقت القيلولة بمناداتهم لكان خيرا لهم (١).
أمّا أصحابه ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ الذين يعرفون قدره فإنّ أحدهم ـ كما في الخبر : «كأنه يقرع بابه بالأظافر».
__________________
(١) يقال : نزلت في قوم من بنى تميم منهم الأقرع بن حابس وسويد بن هاشم ، ووكيع بن وكيع ، وعيينة ابن حصن ، وأن الأقرع نادى النبي (ص) من وراء حجرته أن اخرج إلينا فإن مدحنا زين وذمّنا شين. وكان ذلك وقت الظهيرة والنبي في راحته وبعض شئونه الخاصة. فاستيقظ وخرج لهم.