أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢))
النّفس لا تصدق ، والقلب لا يكذب. والتمييز بين النفس والقلب مشكل ومن بقيت عليه من حظوظه بقيّة ـ وإن قلّت ـ فليس له أن يدّعى بيان القلب بل هو بنفسه مادام عليه شىء من نفسه ، ويجب أن يتّهم نفسه في كل ما يقع له من نقصان غيره .. هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال وهو يخطب. «كلّ الناس أفقه من عمر .. امرأة أفقه من عمر».
(وَلا تَجَسَّسُوا). والعارف لا يتفرغ من شهود الحقّ إلى شهود الخلق .. فكيف يتفرغ إلى تجسّس أحوالهم؟ وهو لا يتفرغ إلى نفسه فكيف إلى غيره؟ (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) : لا تحصل الغيبة للخلق إلّا من الغيبة عن الحقّ.
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ...) جاء في التفسير أن المقصود بذلك الغيبة ، وعلى ذلك يدل ظاهر الآية .. وأخسّ الكفّار وأقلّهم قدرا من يأكل الميتة .. وعزيز رؤية من لا يغتاب أحدا بين يديك.
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣))
إنّا خلقناكم أجمعكم من آدم وحواء ، ثم جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا لا لتكاثروا ولا لتنافسوا. فإذا كانت الأصول تربة ونطفة وعلقة ... فالتفاخر بماذا؟ أبا لحمأ المسنون؟ أم بالنطفة في قرار مكين؟ أم بما ينطوى عليه ظاهرك مما تعرفه؟! (١) وقد قيل :
__________________
(١) ربما نفهم من هذه العبارة ما يقصده القشيري في موضع آخر ماثل من سخرية بالإنسان وتحطيم لتجبره ؛ كأن يقول له : من أنت أيها الإنسان؟ أنت كنيف في قميص! ألا ترى إلى ريح إبطك إذا عرقت ، وإلى ريح فمك إذا جعت!؟ ... ونحو ذلك.