ويقال للجناية : سراية ؛ فمن كان في الجناية مختارا فليس تسلم له دعوى الاضطرار عند سراية جرمه الذي سلف منه وهو مختار فيه ، فأكثر الناس يتوهمون أنهم مضطرون ، وذلك الاضطرار سراية ما بدر منهم في حال اختيارهم.
ومادام العبد يتوهم من نفسه شيئا من الحول والحيلة ، ويرى لنفسه شيئا من الأسباب يعتمد عليه أو يستند إليه ـ فليس بمضطر ، فالمضطرّ يرى نفسه كالغريق في البحر ، أو الضّالّ فى المتاهة ، وهو يرى عنانه بيد سيّده ، وزمامه في قبضته ، فهو كالميت بين يدى غاسله ، وهو لا يرى لنفسه استحقاقا للنجاة ؛ لاعتقاده في نفسه أنه من أهل السخط ، ولا يقرأ اسمه إلا من ديوان الشقاوة (١).
ولا ينبغى للمضطر أن يستعين بأحد في أن يدعو له ؛ لأنّ الله وعد الإجابة له .. لا لمن يدعو له.
ثم كما وعد المضطرّ الإجابة وكشف السوء وعده بقوله : ـ
(... وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ).
فإنّ مع العسر يسرا ، ولم يقل : للعسر إزالة ، ولكن قال : مع العسر يسر ؛ فنهار اليسر حاصل بعد ظلام العسر.
ثم قال : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) لأنّ العبد إذا زال عسره ، وكشف عنه ضرّه نسى ما كان فيه ، وكما قال القائل :
كأنّ الفتى لم يعر يوما إذا اكتسى |
|
ولم يك صعلوكا إذا ما تموّلا |
__________________
(١) إذا اطمأن العبد لنفسه ، ولاحظ عمله فقد عنصرا هاما من عناصر السير فى هذا الطريق ، وهو الإخلاص .. وفي ذلك يقول أبو يعقوب السوسي : متى شهدوا في إخلاصهم الإخلاص احتاج إخلاصهم إلى إخلاص. ويرى أبو عثمان المغربي : أن إخلاص الخواص : هو ما يجرى عليهم لا بهم فتبدو منهم الطاعات وهم عنها بمعزل ، ولا يقع لهم عليها رؤية ، ولا بها اعتداد.