إليها. ويوم هم على النار يحرقون ويعذّبون يقال لهم : قاسوا عقوبتكم ، هذا الذي كنتم به تستعجلون.
والإشارة فيه إلى الذين يكذبون في أعمالهم لما يتداخلهم من الرياء ، ويكذبون في أحوالهم لما يتداخلهم من الإعجاب ، ويكذبون على الله فيما يدّعونه من الأحوال .. قتلوا ولعنوا .. وسيلقون غبّ تلبيسهم بما يحرمون من اشتمام رائحة الصدق.
قوله جل ذكره : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦))
فى عاجلهم في جنّات وصلهم ؛ وفي آجلهم في جنّات فضلهم ؛ فغدا درجات ونجاة ، واليوم قربات ومناجاة ، فما هو مؤجّل حظّ أنفسهم ، وما هو معجّل حقّ ربّهم. هم آخذين اليوم ما آتاهم ربهم ؛ يأخذون نصيبهم منه بيد الشكر والحمد ، وغدا يأخذون ما يعطيهم ربّهم في الجنة من فنون العطاء والرّفد.
ومن كان اليوم آخذه بلا واسطة من حيث الإيمان والإتقان ، وملاحظة القسمة في العطاء والحرمان. كان غدا آخذه بلا واسطة في الجنان عند اللقاء والعيان. (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) ؛ كانوا ولكنهم اليوم بانوا (١) ولكنهم بعد ما أعدناهم حصلوا واستبانوا .. فهم كما في الخبر : «أعبد الله كأنك تراه ...» (٢).
قوله جل ذكره : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨))
__________________
(١) العارف كائن بائن (هذا رأى يحيى بن معاذ : رسالة القشيري ص ١٥٧) والمعنى أنه وإن بدا بين الناس يشاركهم ويعاشرهم إلا أنه مشتغل عنهم بمعروفه لا يشغل عنه طرفة عين.
(٢) جاء في الحلية عن زيد بن أرقم : «أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه نراك ، وأحسب نفسك فى الموتى ، واتق دعوة المظلوم» كذلك رواه الطبراني والبيهقي عن معاذ بلفظ : «أعبد الله ولا تشرك به شيئا واعمل كأنك تراه ، واعدد نفسك في الموتى».