المعنى إمّا : كانوا قليلا وكانوا لا ينامون إلا بالليل (كقوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١) أو : كان نومهم بالليل قليلا ، أو :) (٢) كانوا لا ينامون بالليل قليلا (٣).
(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) : أخبر عنهم أنهم ـ مع تهجدهم ودعائهم ـ ينزلون أنفسهم في الأسحار منزلة العاصين ، فيستغفرون استصغارا لقدرهم ، واستحقارا لفعلهم.
والليل .. للأحباب في أنس المناجاة ، وللعصاة في طلب النجاة. والسّهر لهم في لياليهم دائما ؛ إمّا لفرط أسف أو لشدّة لهف ، وإمّا لاشتياق أو لفراق ـ كما قالوا :
كم ليلة فيك لاصباح لها |
|
أفنيتها قابضا على كبدى |
قد غصّت العين بالدموع وقد |
|
وضعت خدى على بنان يدى |
وإمّا لكمال أنس وطيب روح ـ كما قالوا :
سقى الله عيشا قصيرا مضى |
|
زمان الهوى في الصبا والمجون |
لياليه تحكى انسداد لحاظ |
|
لعينى عند ارتدادالجفون |
قوله جل ذكره : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩))
السائل هو المتكفّف ، والمحروم هو المتعفّف ـ ويقال هو الذي يحرم نفسه بترك السؤال .. هؤلاء هم الذين يعطون بشرط العلم (٤) ، فأمّا أصحاب المروءة : فغير المستحق لمالهم أولى من المستحق (٥). وأما أهل الفترة فليس لهم مال حتى تتوجه عليهم مطالبة ؛ لأنهم أهل الإيثار ـ فى الوقت ـ لكلّ ما يفتح عليهم به.
__________________
(١) آية ١٣ سورة سبأ.
(٢) ما بين القوسين موجود في م وسقط في ص.
(٣) يقول النسفي : ولا يجوز أن تكون ما نافية على معنى أنهم لا يهجعون من الليل قليلا ويحيونه كله لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فلا تقول : زيدا ما ضربت (النسفي ح ٤ ص ١٨٤).
(٤) أي حسب شرائط الشريعة في الزكاة.
(٥) هكذا في م وهي مشطوبة بخط فوقها في ص ... والعبارة قد تبدو غامضة ، وقد يكون مراد القشيري ـ إن صحت عنه العبارة هكذا ـ أن اهل المروءة لا يتقيدون في عطائهم بما تفرضه الشريعة للمستحقين وحسب فإن المستحق يأخذ ما هو حق له ، وإنما يعطون دائما ويمنحون دائما بغض النظر عن استحقاق أو عدمه.