قوله جل ذكره : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠))
أي فارجعوا إلى الله ـ والإنسان بإحدى حالتين ؛ إمّا حالة رغبة في شىء ، أو حالة رهبة من شىء ، أو حال رجاء ، أو حال خوف ، أو حال جلب نفع أو رفع ضرّ .. وفي الحالتين ينبغى أن يكون فراره إلى الله ؛ فإنّ النافع والضارّ هو الله.
ويقال : من صحّ فراره إلى الله صحّ قراره مع الله.
ويقال : يجب على العبد أن يفرّ من الجهل إلى العلم ، ومن الهوى إلى التّقى ، ومن الشّكّ إلى اليقين ، ومن الشيطان إلى الله.
ويقال : يجب على العبد أن يفرّ من فعله ـ الذي هو بلاؤه إلى فعله الذي هو كفايته ، ومن وصفه الذي هو سخطه إلى وصفه الذي هو رحمته ، ومن نفسه ـ حيث قال : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) إلى نفسه حيث قال : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) (١) :
قوله جل ذكره : (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١))
أخوّفكم أليم عقوبته إن أشركتم به ـ فإنّه لا يغفر أن يشرك به.
ثم بيّن أنه على ذلك جرت عادتهم في تكذيب الرّسل ، كأنهم قد توصوا فيما بينهم بذلك.
قوله جل ذكره : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤))
فأعرض عنهم فليست تلحقك ـ بسوء صنيعهم ـ ملامة (٢)
قوله جل ذكره : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥))
ذكّر العاصين عقوبتى ليرجعوا عن مخالفة أمرى ، وذكّر المطيعين جزيل ثوابى ليزدادوا
__________________
(١) هنا استخدم القشيري ثقافته الكلامية فيما يتصل بصفات (الفعل) وصفات (الذات) (أنظر تقديمنا لكتاب التحبير في التذكير).
(٢) هكذا في م وهي في ص (ملايه) وهي خطأ من الناسخ.