(كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) مطالب بعمله ، يوفيّ عليه أجره بلا تأخير ، وإن كان ذنبا فالكثير منه مغفور ، كما أنه اليوم مستور.
قوله جل ذكره : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣))
أي لا يجرى بينهم باطل ولا يؤثمهم كما يجرى بين الشّرب (١) فى الدنيا ، ولا يذهب الشّرب بعقولهم فيجرى بينهم ما يخرجهم عن حدّ الأدب والاستقامة.
وكيف لا يكون مجلسهم بهذه الصفة ومن المعلوم من يسقيهم ، وهم بمشهد منه وعلى رؤية منه؟.
قوله جل ذكره : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤))
والقوم عن الدار وعمّن في الدار مختطفون لاستيلاء ما يستغرقهم ؛ فالشراب يؤنسهم ولكن لا بمن يجانسهم (٢) ؛ وإذا كان ـ اليوم ـ للعبد وهو في السجن في طول عمره ساعة (٣) امتناع عن سماع خطاب الأغيار ، وشهود واحد من المخلوقين ـ وإن كان ولدا عزيزا ، أو أخا شفيقا ـ فمن المحال أن يظن أنه يردّ من الأعلى إلى الأدنى .. إن كان من أهل القبول والجنة ، ومن المحال أن يظن أنه يكون غدا موسوما بالشقاوة.
وإذا كان العبد في الدنيا يقاسى في غربته من مقاساة اللتيا والتي ـ فماذا يجب أن يقال إذا
__________________
(١) الشرب بالفتح القوم يشربون ويجتمعون على الشراب (الوسيط واللسان).
(٢) هكذا في م وهي أقرب إلى الصواب مما جاء في ص (يجالسهم) باللام لأن السياق يتدعم بالأولى ؛ فالأنس الحاصل يومئذ بالحق لا بالخلق.
(٣) هذه محاولة طيبة يقدمها التفسير الإشارى عند بحث قضية التنعم في الآخرة ونفى الحسيات عن هذا المتنعم ؛ لأنه إذا تصورنا أن العبد في ساعة الفناء يكون محوا فيما يشهد ، وأن ذلك يحدث في الدنيا .. فها بالك في الآخرة وهم ناظرون إلى ربهم؟!