رجع إلى منزله؟ أيبقى على ما كان عليه في سفرته؟ أم يلقى غير ما كان يقاسى في سفرته ، ويتجرع غير ما كان يسقى من كاسات كربته؟.
قوله جل ذكره : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧))
لو لا أنهم قالوا : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) لكانوا قد لا حظوا إشفاقهم ، ولكن الحقّ ـ سبحانه ـ اختطفهم عن شهود إشفاقهم ؛ حيث أشهدهم منّته عليهم حتى قالوا : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا ، وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ).
قوله جل ذكره : (فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩))
أي أنهم يعلمون أنك ليست بك كهانة ولا جنون ، وإنما قالوا ذلك على جهة التسفيه ؛ فالسّفيه يبسط لسانه فيمن يسبّه بما يعلم أنه منه برىء.
(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١))
نتربص به حوادث الأيام ؛ فإنّ مثل هذا لايدوم ، وسيموت كما مات من قبله كهّان وشعراء.
ويقال : قالوا : إنّ أباه مات شابا ، ورجوا أن يموت كما مات أبوه ، فقال تعالى :
(قُلْ تَرَبَّصُوا ...) فإننا منتظرون ، وجاء في التفسير أنّ جميعهم ماتوا. فلا ينبغى لأحد أن يؤمّل موت أحد. فقل من تكون هذه صنعته إلّا سبقته المنيّة ـ دون أن يدرك ما يتمنّاه من الأمنيّة.