قوله جل ذكره : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤))
أي : اسبح بفكرك في بحار عقلك ، وغص بقوة التوحيد فيها تظفر بجواهر العلم ، وإيّاك أن تقصّر في الغوص لسبب أو لآخر ، وإياك أن تتداخلك الشّبه فيتلف رأس مالك ويخرج من يدك وهو دينك واعتقادك ... وإلّا غرقت في بحار الشّبه ، وضللت.
وهذه الآيات (١) التي عدّها الله ـ سبحانه ـ تمهّد لسلوك طريق الاستدلال ، فكما فى الخبر «فكر ساعة خير من عبادة سنة» ـ وقد نبّه الله سبحانه بهذا إلى ضرورة التفكير.
قوله جل ذكره : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠))
قيل : هى مواقع نجوم السماء. ويقال : مواقع نجوم القرآن على قلب الرسول صلىاللهعليهوسلم.
(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) : والكرم نفى الدناءة ـ أي : أنه غير مخلوق (٢) ويقال : هو «قرآن كريم» : لأنه يدل على مكارم الأخلاق.
ويقال هو قرآن كريم لأنه من عند ربّ كريم على رسول كريم ، على لسان ملك كريم. (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) : يقال : فى اللوح المحفوظ. ويقال : فى المصاحف. وهو محفوظ عن التبديل. (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) عن الأدناس والعيوب والمعاصي.
__________________
(١) إذا تدبرنا هذه الآيات ألفينا القرآن يخاطب العقل الإنسانى بالتدبر في ثلاثة أشياء : الغذاء والماء والنار ، وبدون الثلاثة لا تقوم الحياة ولا تنتظم.
(٢) هذه إحدى الأفكار الخطيرة التي اشتجر حولها الخلاف بين الأشاعرة الذين يقولون : (القرآن غير مخلوق) وبين المعتزلة الذي يقولون : إنه مخلوق.