إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ على الوجه الذي سبق به العلم ، وحقّ فيه الحكم ؛ فقبل أن نخلق ذلك أثبتناه في اللوح المحفوظ.
فكلّ ما حصل في الأرض من خصب أو جدب ، من سعة أو ضيق ، من فتنة أو استقامة وما حصل في النفوس من حزن أو سرور ، من حياة أو موت كلّ ذلك مثبت في اللوح المحفوظ قبل وقوعه بزمان طويل.
وفي قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) دليل على أن أكساب العباد مخلوقة لله سبحانه. وللعبد فى العلم بأنّ ما يصيبه : من بسط وراحة وغير ذلك من واردات القلوب من الله ـ أشدّ السرور وأتمّ الأنس ؛ حيث علم أنه أفرد بذلك بظهر غيب منه ، بل وهو في كنز العدم ، ولهذا قالوا :
سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن |
|
ما كان قلبى للصبابة معهدا (١) |
قوله جل ذكره : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)
عدم الفرحة بما آتاهم هو من صفات المتحررين من رقّ النّفس ، فقيمة الرجال تتبين بتغيّرهم ـ فمن لم يتغير بما يرد عليه ـ مما لا يريده ـ من جفاء أو مكروه أو محنة فهو كامل ، ومن لم يتغيّر بالمسارّ كما لا يتغير بالمضارّ ، ولا يسرّه الوجود كما لا يحزنه العدم ـ فهو سيّد وقته (٢).
ويقال : إذا أردت أن تعرف الرجل فاطلبه عند الموارد ؛ فالتغيّر علامة بقاء النّفس بأيّ وجه كان :
(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ).
__________________
(١) وهكذا نرى أن الجبرية عند الصوفية ترتبط بالمحبة القديمة ، فالله البارئ الخالق للعبد من العدم .. لن يريد به إلا الخير ... وحتى لو أصاب العبد تلف ... فمرحبا به فهو تلف في سبيل المحبوب.
(٢) التغير من علامات التلوين ، والثبات في المسار والمضار ـ عند تقلب الأحوال على العارف ـ من علامات التمكين. فسادات الوقت هم أهل التمكين.