واتفاق القلوب ؛ والاشتراك في الهمّة ؛ والتساوي في القصد يوجب كلّ ظفر وكلّ سعادة .. ولا يكون ذلك للأعداء قطّ ؛ فليس فيهم إلا اختلال كلّ حال ، وانتقاض كلّ شمل.
قوله جل ذكره : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥))
مثل بنى قريظة كمثل بنى النضير (١) ؛ ذاق النضير وبال أمرهم قبل قريظة بسنة (٢) ؛ وذاق قريظة بعدهم وبال أمرهم.
قوله جل ذكره : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦))
أي مثل هؤلاء المنافقين مع النضير ـ فى وعدهم بعضهم لبعض بالتناصر ـ كمثل الشيطان (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ ...).
وكذلك أرباب الفترة وأصحاب الزّلّة وأصحاب الدعاوى .. هؤلاء كلّهم في درجة واحدة فى هذا الباب ـ وإن كان بينهم تفاوت ـ لا تنفع صحبتهم في الله ؛ قال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (٣) وكلّ أحد ـ اليوم ـ يألف شكله ؛ فصاحب الدعوى إلى صاحب الدعوى ، وصاحب المعنى إلى صاحب المعنى.
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨))
__________________
(١) يرى النسفي أن : «مثلهم كمثل أهل بدر» (النسفي ـ ح ٤ ص ٢٤٣).
(٢) وكان ذلك عقب مرجع النبي (ص) من الأحزاب ؛ ففى رواية عن عائشة رضى الله عنها قالت : لما رجع النبي (ص) من الخندق ، ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل فقال : قد وضعت السلاح والله ما وضعناه فاخرج إليهم قال : فإلى أين؟ قال : هاهنا ـ وأشار إلى بنى قريظة (البخاري ح ٣ ص ٢٣).
(٣) آية ٦٧ سورة الزخرف.