التقوى الأولى على ذكر العقوبة في الحال والفكر في العمل خيره وشرّه (١).
والتقوى الثانية تقوى المراقبة والمحاسبة ، ومن لا محاسبة له في أعماله ولا مراقبة له في أحواله .. فعن قريب سيفتضح (٢).
وعلامة من نظر لغده أن يحسن مراعاة يومه ؛ ولا يكون كذلك إلّا إذا فكّر فيما عمله فى أمسه والناس في هذا على أقسام : مفكّر في أمسه : ما الذي قسم له في الأزل؟ وآخر مفكّر فى غده : ما الذي يلقاه؟؟ وثالث مستقل بوقته فيما يلزمه في هذا الوقت فهو مصطلم عن شاهده موصول بربّه ، مندرج في مذكوره (٣) ؛ لا يتطلّع لماضيه ولا لمستقبله ، فتوقيت الوقت يشغله عن وقته (٤).
قوله جل ذكره : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩))
تركوا طاعته فتركهم في العذاب ؛ وهو الخذلال حتى لم يتوبوا .. أولئك هم الفاسقون (٥).
قوله جل ذكره : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠))
لا يستوى أهل الغفلة مع أهل الوصلة.
وأصل كلّ آفة نسيان الربّ ، ولو لا النسيان لما حصل العصيان ، والذي نسى أمر نفسه فهو الذي لا يجتهد في تحصيل توبته ، ويسوّف فيما يلزمه به الوقت من طاعته.
__________________
(١) ويكون العبد فيها في مرحلة الغيبة (أي قبل السّكر) : فيما دام هناك وارد لثواب أو عقاب أو فكر فى حال أو مآل ـ فهذه في منازل السالكين دون المرحلة التالية.
(٢) تفيد هذه الإشارة في توضيح الفرق في الاصطلاح بين : المراقبة والمحاسبة.
(٣) لأن أقصى درجات الذكر أن يفنى الذاكر في المذكور ، وقد اعتبرنا الأوصاف أسماء مفعول تعبيرا عن فناء الإرادة الإنسانية ، وتجرد العبد من كل فعل في نفسه ولنفسه.
(٤) ولهذا يقولون : الصوفىّ ابن وقته ؛ ومعناه أنه مشتغل بما هو أولى به في الحال ، قائم بما هو مطالب به فى الحين ، مستسلم لما يبدوله من الغيب من غير اختيار له. ومن ساعده الوقت فالوقت له وقت ، ومن ناكده الوقت فالوقت عليه مقت. (الرسالة ص ٣٤).
(٥) سيعود القشيري لاتمام إشارة هذه الآية بعد الآية التالية.