والعدّة ـ وإن كانت في الشريعة لتحصين ماء الزوج (محاماة على الأنساب) (١) لئلا يدخل على ماء الزوج ماء آخر ـ فالغالب والأقوى في معناها أنها للوفاء للصحبة الماضية في وصلة النكاح (٢).
والإشارة في الآيات التالية إلى أنه بعد أن انتهت الوصلة فلا أقلّ من الوفاء مدة لهذه الصغيرة التي لم تحض ، وهذه الآيسة من الحيض ، وتلك التي انقطع حيضها ، والحبلى حتى تلد ... كل ذلك مراعاة للحرمة : وعدّة الوفاة تشهد على هذه الجملة في كونها أطول ؛ لأن حرمة الميت أعظم (٣) وكذلك الإمداد في أيام العدّة ... المعنى فيه ما ذكرنا من مراعاة الوفاء والحرمة.
قوله جل ذكره : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).
العبودية : الوقوف عند الحدّ ، لا بالنقصان عنه ولا بالزيادة عليه ، ومن راعى مع الله حدّه أخلص الله له عهده ...
(لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً).
قالوا : أراد ندما ، وقيل : ولدا ، وقيل : ميلا إليها ، أولها إليه ؛ فإن القلوب تتقلب :
والإشارة في إباحة الطلاق إلى أنه إذا كان الصبر مع الأشكال حقّا للحرمة المتقدمة فالخلاص من مساكنة الأمثال ، والتجرّد لعبادة الله تعالى أولى وأحقّ.
قوله جل ذكره : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)
__________________
(١) موجودة في ص وغير موجودة في م.
(٢) القشيري يركز جهده في استخراج إشارات في الصحبة والصاحب وغير ذلك من المعاني من آيات الطلاق غير مهم بتفاصيل هذا الموضوع الواسع الذي تعنى به كتب الفقه المتخصصة.
(٣) يقول القشيري في الصفحة ١٨٨ من المجلد الأول من هذا الكتاب : كانت عدّة الوفاة في ابتداء الإسلام سنة مستديمة كقول العرب ؛ وفعلهم ، ثم نسخ ذلك إلى أربعة أشهر وعشرة أيام ؛ إذ لا بدّ من انتهاء مدة الحداد. (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) والإشارة فيه ألا تجمعوا عليهن الفراق والحرمان فيتضاعف عليهن البلاء.