إذا صدق العبد في تقواه أخرجه من بين أشغاله كالشعرة تخرج من بين العجين لا يعلق بها شىء. ويضرب الله تعالى على المتّقى سرادقات عنايته ، ويدخله في كنف الإيواء ، ويصرف الأشغال عن قلبه ، ويخرجه من ظلمات تدبيره ، ويجرّده من كل أمر ، وينقله إلى شهود فضاء تقديره.
قوله جل ذكره : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).
لم يقل : ومن يتوكل على الله فتوكّله حسبه ، بل قال : فهو حسبه ؛ أي فالله حسبه أي كافيه.
(إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
إذا سبق له شىء من التقدير فلا محالة يكون ، وبتوكّله لا يتغير المقدور ولا يستأخر ، ولكنّ التوكّل بنيانه على أن يكون العبد مروّح القلب غير كاره .. وهذا من أجلّ النّعم.
قوله : (وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ..... يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤))
التوكل : شهود نفسك خارجا عن المنّة (١) تجرى عليك أحكام التقدير من غير تدبير منك ولا اطّلاع لك على حكمه ، وسبيل العبد الخمود والرضا دون استعلام الأمر ، وفي الخبر :
«أعوذ بك من علم لا ينفع» : ومن العلم الذي لا ينفع ـ ويجب أن تستعيذ منه ـ أن يكون لك شغل أو يستقبلك مهمّ من الأمر ويشتبه عليك وجه التدبير فيه ، وتكون مطالبا بالتفويض ـ فطلبك العلم وتمنّيك أن تعرف متى يصلح هذا الأمر؟ ولأى سبب؟ ومن أيّ وجه؟ وعلى يد من؟ ... كل هذا تخليط ، وغير مسلّم شىء منه للأكابر.
فيجب عليك السكون ، وحسن الرضا. حتى إذا جاء وقت الكشف فسترى صورة الحال وتعرفه ، وربما ينتظر العبد في هذه الحالة تعريفا في المنام أو ينظر فى (...) (٢) من الجامع ،
__________________
(١) المنة بضم الميم هي ما في إمكان الإنسان وحيلته واستطاعته.
(٢) مشتبهة في النسختين.