والله ـ سبحانه ـ أجرى سنّته بأنه إذا ساكن عبد بقلبه إلى أحد شوّش على خواصّه محلّ مساكنته غيرة على قلبه إلى أن يعاود ربّه ، ثم يكفيه ذلك ـ ولكن بعد تطويل مدة ، وأنشدوا في معناه :
إذا علّقت روحى حبيبا تعلّقت |
|
به غير الأيام كى تسلبنّيه |
وقد ألقى الله في قلب رسوله صلىاللهعليهوسلم تناسيا بينه وبين زوجاته فاعتزلهن (١) ، وما كان من حديث طلاق حفصة ، وما عاد إلى قلب أبيها ، وحديث الكفاية ، وإمساكه عن وطء مارية تسعا وعشرين ليلة ... كل ذلك غيرة من الحق عليه ، وإرادته ـ سبحانه ـ تشويش قلوبهم حتى يكون رجوعهم كلّهم إلى الله تعالى بقلوبهم.
قوله جل ذكره : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤))
عاتبهما على السير من خطرات القلب ، ثم قال : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ ...).
(صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) من لم يكن منهم في قلبه نفاق ، مثل أبى بكر وعمر رضى الله عنهما.
وجاء : أن عمر بن الخطاب لما سمع شيئا من ذلك قال لرسول الله :
لو أمرتنى لأضربنّ عنقها! (٢)
__________________
(١) دخل عليه عمر في المشربة فإذا هو مضطجع على حصير قد أثّر في جنبه ، وبجواره قبضة من شعير وتكاد خزانته تخلو من كل شىء فبكى عمر وقال : يا نبيّ الله .. أنت رسول الله .. وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار ، فقال النبي : يا بن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ فقال عمر : إن كان يشق عليك من أمر النساء .. فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون! ولم يزل يحدثه حتى تبسّم صلوات الله عليه وخرجا إلى الناس.
(٢) لما سمع عمر الناس بالمسجد يقولون : لقد طلق الرسول نساءه! غضب وذهب إلى بيت النبي ليعلم الأمر فذهب أولا إلى عائشة وقال : يا بنة أبى بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذى رسول الله؟ فقالت : يا بن الخطاب عليك بعيبتك ، فاتجه إلى حفصة وقال : والله لقد علمت أن رسول الله لايحبك ولو لا أنا لطلقك .. فبكت بكاء شديدا. وذهب إلى رسول الله قائلا : والله لئن أمر في رسول الله بضرب عنق ابنتي لفعلت.