قوله جل ذكره : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)
يسلم له السرور بنعمة الله ، ويأخذ في الحمد والمدح.
(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ)
القوم ـ غدا ـ فى عيشة راضية أي مرضيّة لهم ، وهؤلاء القوم ـ اليوم ـ فى عيشة راضية ، والفرق بينهما أنهم ـ غدا ـ فى عيشة راضية لأنه قد قضيت أوطارهم ، وارتفعت مآربهم ، وحصلت حاجاتهم ، وهم ـ اليوم ـ فى عيشة راضية إذ كفّوا مآربهم فدفع عن قلوبهم حوائجهم ؛ فليس لهم إرادة شىء ، ولا تمسّهم حاجة. وإنما هم في روح الرضا .. فعيش أولئك في العطاء ، وعيش هؤلاء في الرضاء ؛ لأنه إذا بدا علم من الحقيقة أو معنى من معانيها فلا يكون ثمة حاجة ولا سؤال. ويقال لأولئك غدا.
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤))
ويقال لهؤلاء : اسمعوا واشهدوا ... اسمعوا منّا .. وانظروا إلينا ، واستأنسوا بقربنا ، وطالعوا جمالنا وجلالنا .. فأنتم بنا ولنا.
قوله جل ذكره : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ : يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ)
هناك ـ اليوم ـ أقوام مهجورون تتصاعد حسراتهم ، ويتضاعف أنينهم ـ ليلهم ونهارهم ـ فليلهم ويل ونهارهم بعاد ؛ تكدّرت مشاربهم ، وخربت أوطان أنسهم ، ولا بكاؤهم يرحم ، ولا أنينهم يسمع .. فعندهم أنهم مبعدون ... وهم في الحقيقة من الله مرحومون ، أسبل عليهم الستر فصغّرهم في أعينهم ـ وهم أكرم أهل القصة! كما قالوا :