(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) الذين لا يستوى ظاهرهم وباطنهم في التصديق.
وهكذا كان المتقدمون من أهل الزّلّة والفترة في الطريقة ، والخيانة في أحكام المحبة فعذّبوا بالحرمان في عاجلهم ، ولم يذوقوا من المعاني شيئا.
قوله جل ذكره : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ)؟.
أي : حقير. وإذ قد علمتم ذلك فلم لم تقيسوا أمر البعث عليه؟
ويقال : ذكّرهم أصل خلقتهم لئلا يعجبوا بأحوالهم ؛ فإنه لا جنس من المخلوقين والمخلوقات أشدّ دعوى من بنى آدم. فمن الواجب أن يتفكّر الإنسان في أصله ... كان نطفة وفي انتهائه يكون جيفة ، وفي وسائط حاله كنيف في قميص!! فبالحريّ ألّا يدلّ ولا يفتخر :
كيف يزهو من رجيعه |
|
أبد الدهر ضجيعه |
فهو منه وإليه |
|
وأخوه ورضيعه |
وهو يدعوه إلى الحشّ (١) |
|
بصغر فيطيعه؟!! |
ويقال : يذكّرهم أصلهم .. كيف كان كذلك .. ومع ذلك فقد نقلهم إلى أحسن صورة ، قال تعالى :
(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ، والذي يفعل ذلك قادر على أن يرقّيك من الأحوال الخسيسة إلى تلك المنازل الشريفة.
قوله جل ذكره : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦))
(كِفاتاً) أي : ذات جمع ؛ فالأرض تضمهم وتجمعهم أحياء وأمواتا ؛ فهم يعيشون على ظهرها ، ويودعون بعد الموت في بطنها ..
(وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً).
__________________
(١) الحش بفتح الحاء وضمها ـ الكنيف.
والمقصود : كيف ترهو أيها الإنسان ، وإن ما يقذفه جسمك من فضلات ملازم لك حياتك : ليلك ونهارك ، وأنت تطيعه صاغرا إذا أمرك ودعاك بالذهاب إلى الحش؟